سلمان بن محمد العُمري
كتبت منذ مدة، وفي هذه الزاوية تحديداً، عن الإنتاج العلمي والأدبي لعدد من رجال العلم والأدب والثقافة في بلادنا بعد سنّ التقاعد، وضربت على ذلك أدلة وشواهد ببعض الأسماء، وأسماء وعناوين لهذا الإنتاج العلمي والأدبي الذي تحرر أصحابه من القيد الوظيفي، وظهر إنتاجهم للعيان حين تفرغوا.
وأستعرض اليوم نتاجاً وكتاباً لحالة من هذه الحالات التي أتحفنا بها صاحبها بعد التقاعد والتفرغ، لا للتدليل والإثبات لما سبق من استغلال الوقت واستثماره، بل لما في الكتاب من لغة أدبية رفيعة، ومعانٍ سامية جميلة، ونقد للمشهد الاجتماعي بعين بصيرة وخبرة مستفيضة، وروائع جميلة جداً؛ تستحق القراءة والتمعن في كل جزئية منها. هذا الكتاب (وشم على كف الزمن) لأخي أ. د. صالح بن حسين العايد. ومما تضمنه هذا الكتاب من درر وفوائد وحكم وأمثال مستحدثة غير مسبوقة هذه المقتبسات والفرائد:
1. بَعْضُ الناسِ بلا مِراءٍ كَجَناحَي الذُبابِ؛ داءٌ وَدَواءٌ.
2. بعضُ الناسِ تَرْقُصُ عُقُولُهُمْ خِفَّةً.
3. بَعْضُ الناسِ ذُخْرٌ في الجُيُوبِ، لكنْ لا مُقامَ لهم في القلوبِ.
4. بَعْضُ الناسِ صِغارٌ حتّى في أحلامِهِم!
5. بَعْضُ الناسِ ظاهِرَةٌ صَوْتِيَّةٌ بلا جِدالٍ؛ أُسُودٌ بالأقوالِ، وقُرُودٌ بالأفعالِ.
6. بَعْضُ الناسِ عَبيدٌ إذا ضَعُفُوا، طُغاةٌ إنْ قَدِرُوا.
7. بعضُ الناسِ عُلَبٌ فارِغَةٌ، لكنْ لا يُسْتَفادُ منها كَأكثرِ العُلَبِ الفارِغَةِ.
8. بعضُ الناسِ فأسٌ مِنْ ذهبٍ؛ يشفعُ لِقَسوَتِهِ طِيْبُ مَعدَنِهِ.
9. بَعْضُ الناسِ في المَجالِسِ تَتَمَنَّى لو كانَ هاتفاً لَهُ خاصِّيَّةُ (الوَضْعِ على الصامِتِ).
10. بَعْضُ الناسِ في سَكَراتٍ لا يُوقِظُهُم منها سِوَى سَكَراتِ الموتِ بَغتَةً.
11. بَعْضُ الناسِ كالأشعّةِ السِيْنِيّةِ؛ يُنَقِّبُ عن النوايا الغائرةِ، ولا ينظرُ إلى الأفعالِ الظاهرةِ.
12. بَعْضُ الناسِ كالتُرابِ؛ يَرْوَى فلا يَشْكُرُ السَحابَ.
13. بَعْضُ الناسِ كالحَطَبِ الرَطْبِ؛ لا نارٌ تَصْلِي، بل دُخَانٌ يُعْمِي.
14. بَعْضُ الناسِ كالحَيّاتِ؛ شَرُّها في أفواهِها.
15. بعضُ الناسِ كالطَواوِيَسِ؛ مَنْظَرَةٌ وقَرْقَرَةٌ.
16. بَعْضُ الناسِ كالعَجِيْنِ؛ لا بُدَّ مِنْ شَيِّهِ بالتَنُّوْرِ؛ لِيَنْضَجَ.
17. بَعْضُ الناسِ كالمِظَلَّةِ؛ وستذكرُ فَضْلَ المِظَلَّةِ حينما يَنهَمِرُ المطرُ.
18. بعضُ الناسِ كالمُعَسَّلِ؛ غَلَيانٌ في الرأسِ ثَمَرَتُهُ قَرْقَرَةٌ.
19. بعضُ الناسِ كالنارِ؛ فاكهةٌ في الشتاءِ، وحاجَةٌ في كُلِّ حينٍ، ولكنْ مَنْ يَقتَرِبْ منها جدّاً يَحْتَرِقْ.
20. بَعْضُ الناسِ كَرَقّاصِ الساعةِ؛ كُلَّما اقتربوا ابتعدوا، وإذا ابتعدوا اقتربوا.
21. بَعْضُ الناسِ لا تَوَسُّطَ عِنْدَهُمْ؛ إمّا حُبٌّ وإمّا حَرْبٌ!
22. بَعْضُ الناسِ لا تَوَسُّطَ لديهم؛ طُوفانٌ إذا أحَبُّوا، بُركانٌ إنْ كَرِهوا.
23. بَعْضُ الناسِ لَهُ مَكانَةُ اللصِّ الكبيرِ لدى صِغارِ اللُصُوْصِ؛ هَيْبَةٌ ظاهِرَةٌ، واحتقارٌ مَكْتُومٌ.
24. بعضُ الناسَ لو مَلَكَ هَلَكَ، وبعضُهم لو افتقرَ لانتَحَرَ.
25. بَعْضُ الناسِ لَيْسُوا سِوَى مَطَارِقَ لِتَحْطِيْمِ آمَالِ الآخَرِيْنَ وَأحْلامِهِم.
26. بَعْضُ الناسِ مثلُ البطريقِ؛ لا طَيْرٌ يَطِيْرُ، ولا حَيَوَانٌ يَسِيْرُ.
27. بَعْضُ الناسِ مثلُ البعوضِ؛ لا يَتَنَعَّمُ إلا في المُسْتَنْقَعاتِ الآسِنَةِ.
28. بَعْضُ الناسِ مثلُ الثُوْمِ؛ لو غَسَلتَهِ بِماءِ الوَرْدِ لازدادَتْ رَائِحَتُهُ نَتانَةً.
29. بَعْضُ الناسِ مِثلُ الخَرُوْفِ؛ هُوَ مَشْوِيٌّ أنفَعُ مِنْهُ حَيّاً.
30. بَعْضُ الناسِ مثلُ (الدُرْيانِ)؛ خَشَنُ الظاهرِ كَرِيُهُ الرائحةِ، ولكنّ باطِنَهُ رقيقٌ لذيذٌ مُفيدٌ!
31. بعضُ الناسِ مثلُ الفَراشِ؛ يحومُ حولَ النارِ، فإذا أحْرَقَتْهُ لامَها.
32. بَعْضُ الناسِ مثلُ نَزْعِ الشَوكِ من صُوْفِ الخَرُوْفِ؛ لا حِيْلَةَ تُجْدِيْ مَعَهُ غيرُ تَركِ الخَرُوْفِ بما فيهِ.
33. بَعْضُ الناسِ مثلُ الصَرَاصِيْرِ؛ إذا انقَلَبَتْ على ظُهُورِها تَستَحِيلُ استقامَتُها.
34. بَعْضُ الناسِ مثلُ الطُيُورِ الناشئةِ في الأقفاصِ تَحْسَبُ أنْ لا سَعادَةَ إلا فيها.
35. بَعْضُ الناسِ مثلُ بَعْضِ الكُتُبِ؛ غلافٌ رائعٌ، وَمَضْمُوْنٌ فارِغٌ.
36. بَعْضُ الناسِ مَعَ العَداوَةِ لا يَحِيْدُ عَنِ الإنصَافِ، وَبَعْضُهُمْ مَعَ الجَهْلِ بالحالِ لا يَسْلُكُ غَيْرَ طريقِ الإجْحافِ.
37. بَعْضُ الناسِ نُجُومٌ لَكِنْ في الغَباءِ.
38. بعضُ الناسِ هُمْ للبهجةِ عُنوانٌ؛ زِيْنَةٌ لِلمَكانِ، وطِيبٌ للزمانِ، وأُنسٌ لِلوِجْدانِ.
39. بعْضُ الناسِ يَجْرَحُكَ بِنَبْلِهِ، وبعضُ الناسِ يُحْرِجُكَ بِنُبْلِهِ.
40. بَعْضُ الناسِ يحكمُ على الناسِ من أُذنَيهِ؛ فيُصَدِّقُ ما يسمعُ، ويُكَذِّبُ ما يرى.
41. بعضُ الناسِ يَستَحِقُّ أنْ يُغسَلَ أثرُهُ سَبْعاً والثامنَةَ بالترابِ.
42. بعضُ الناسِ يُعالِجُ الهُمُومَ بكثرةِ النومِ!
43. بَعْضُ الناسِ يَغرَقُونَ في بُحُورِ المَشاعِرِ، فادْرَؤوا عنهُم أمواجَها.
44. بعضُ الناسِ يُفرِحُهُ أنْ يُضرَبَ بِهِ المَثَلُ ولو في تَكرارِ الفَشَلِ بلا خَجَلٍ!
هذه الأوصاف التي نقلت من كتاب (وَشمٌ على كَفِّ الزمانِ) للدكتور صالح العايد، وهي وصف لطائفة من الثقلاء الذين قد مرَّ بهم أخونا، وتعامل معهم عن قرب، وبالذات ممن لبسوا ثياب الزهد والتقى، وشعارهم الكذب بلا حياء، والغطرسة مع غرور وكبرياء، فضلاً عن حقد دفين، ناتج من مرض نفسي خطير.. وتلك العينة لا يخلو مجتمع منهم. نسأل الله العافية والسلامة. والعرب منذ القدم لم تستثقل هؤلاء الثقلاء في مجالسها، بل خلدوا ذلك في أشعارهم ونثرهم، بل ألفوا كتباً في ذلك. والثقيل هو كل نفس تنفر منه الناس لسوء قوله وفعله، وتستثقله النفوس والمجالس بمن فيها. وقد أحسن د. العايد في وصف بعض الناس وما فيهم من طباع وصفات سيئة.