محمد سليمان العنقري
قرارات الأفراد في توجهاتهم الاستثمارية تحكم غالبيتها عوامل عاطفية تقوم على الخوف أو الطمع فهم «يشترون الإشاعات ويبيعون الحقائق» كما يقال والمحرك الرئيس في نظرتهم هو التغذية المتبادلة حيث يتأثر قرار الفرد بالاستثمار في الحالة العامة التي تنعكس عليه ففي عالم أسواق المال يكون المغذي لقراره لون المؤشر أو سعر السهم وكذلك الأمر في بقية القطاعات كالعقار أو حتى تأسيس مشروعات صغيرة أو متوسطة وتنتقل هذه الحالة عمومًا للقطاع الخاص وليس أفراد فقط في مراحل مختلفة من مستوى الدورة الاقتصادية إلا أن حركة المؤسسات والشركات الخاصة تكون مبنية على عوامل عديدة تعتمد على معلومات ودراسات تحدد ما هو القرار الأنسب.
إلا أن الأمر الذي يظهر بنهاية المطاف على المشهد الاقتصادي هو اما تعميق لحالة الركود بالاقتصاد عندما يسيطر الخوف أو الحذر والقلق على قرار المستثمر ليس الفرد فقط بل المنشآت والكيانات كبيرها وصغيرها وذات الأمر بالاتجاه المعاكس عندما يكون النمو الاقتصادي بأفضل حالاته فإن المستثمر يعزز من قوة النمو بزيادة إنفاقه واستثماراته ويسهم بتشكيل الفقاعات السعرية، أي أن للعامل النفسي دورًا كبيرًا باتجاهات الاقتصاد تتحكم العاطفة بنسب متفاوتة فيه ترتفع عند الأفراد وتكون أكثر توازنًا عند الكيانات عمومًا بحسب خبرتها.
وقد انتبه كبار علماء الاقتصاد والتنمية منذ زمن بعيد لهذه الظواهر النفسية وقاموا بدراسات عديدة عنها ووضعوا إطارًا محددًا لها لفهمها ومن ثم انتقلوا للتعامل معها ليتجنبوا السلبيات على الاقتصاد سواء كان بمراحل نمو من خلال الحد من تشكل الفقاعات بأسعار الأصول وأيضًا منع الانزلاق لركود أو كساد في حالة تراجع الاقتصاد حيث إنهم أدركوا تمامًا أثر العامل النفسي لدى هذه الأطراف الرئيسة بالاقتصاد نظرًا لتأثيرها الكبير بالاستهلاك والاستثمار اللذين ينشطان الاقتصاد وأيضًا يلعبان دورًا سلبيًا عند الركود بانكماشهما بنسب حادة.
إن أهم العوامل التي ركزوا عليها للسيطرة على العامل النفسي لدى المستهلك والمستثمر هو «الثقة» فقاموا بالعمل على تعزيزها عند النمو بابتكار أدوات تجدد وتحفز النمو ليكون دائمًا بمستويات صحية تسهم بزيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد وتقوية الإنفاق المفيد الذي ينعكس بنمو إيجابي ويسهم باستدامته وفق الرؤى العامة للدولة وأيضًا عملوا على وضع الآليات التي تعيد الثقة بسرعة للاقتصاد أو الاستثمار وأيضًا الاستهلاك في حال اهتزازها نتيجة أي ظروف أو عوامل اقتصادية تواجهها الدول بشكل طبيعي ومتكرر ولذلك نجد مستويات عديدة بتخصص من يديرون ويخططون للاقتصاد والتنمية ترتكز على وجود مجموعة متخصصة بالمخاطر ووضع جرس الانذار مسبقًا أمام صناع القرار.
فقد ارتكزت أغلب الطرق والآليات للحفاط على عامل نفسي متوازن يحافظ على الثقة بالاقتصاد بالدور الحكومي الذي يراقب الحالة الاقتصادية ويستخدم الأدوات المناسبة حسب الأوضاع الاقتصادية وما تحتاجه فكان الدور الحكومي يقوم غالبًا على سياسات مالية أو نقدية واقتصادية بحسب الحاجة فليس كل الآليات أو القرارات تقوم على ضخ أموال أو مشروعات فقط بل أيضًا تعديل أو تغيير بأنظمة يمكن لها تحقيق جزء من التأثير المطلوب حسب حالة الاقتصاد ولذلك تجد الحكومات تحتفظ بذخيرة دائمًا لاستخدامها عند الضرورة ففي الاقتصاد الوطني وبعد تراجع أسعار النفط والتحوط الحكومي الذي أعقب تراجع الإيرادات كان من المتوقع أن يشهد الاقتصاد تراجعًا بالنمو وهو ما حدث منذ عام 2015م لكن الإجراءات الحكومية بدأت تنتقل لمرحلة تعزيز النمو من جديد حيث أعلن عن برنامج التحول الوطني 2020م الذي سيكون من بين إجراءاته مبادرات تحفيزية كبيرة ينتظر صدورها خلال هذا العام إضافة لبرامج عديدة كبرنامج التوازن المالي تدعم الوصول للهدف الأكبر رؤية 2030م التي ينتظر أن تحقق توازنًا بالنمو يكون مستدامًا ولا يتأثر بأسعار النفط وإيراداته العامة.
إن ما يمكن قوله: إن المستهلك والمستثمر خصوصًا الأفراد سيتغير قرارهم نحو دعم نمو الاقتصاد بعد حالة الركود بعد أن يتم إطلاق برامج التحفيز وتحركات القطاع الخاص نحو الاستفادة من المشروعات التي ستطلق كبرامج الخصخصة أو المشروعات العملاقة بقطاعات النقل والصناعة والإسكان وغيرها المنتظرة وهو ما يعد حالة طبيعية فالأفراد يأتي قرارهم متأخرًا نظرًا لغياب المعلومات عنهم لأن أغلبيتهم يعتمد على جهده الشخصي وليس على التقارير أو الاستشارات من المؤسسات المالية وهو ما يمثل فجوة معرفية لا بد من العمل على تقليصها بزيادة نشاط المؤسسات المالية وتقديم خدمات تجذب الأفراد وتقدم لهم النصح والمعلومة للمساعدة على اتخاذ قرارهم الصحيح إضافة للدور الإعلامي الذي يحتاج لتطوير وتوسع كبير بالخدمات والانتشار للمعلومات والتحليلات الاقتصادية حتى يمكن بعد ذلك التغلب على آثار العوامل النفسية وعدم الانجراف تحو الفقاعات بالأسعار أو الوقوع رهينة للحالة السلبية للنمو وفقدان استكشاف الفرص لكن يبقى للتحرك من قبل الجهات الحكومية المعنية بإدارة الشأن الاقتصادي الدور القائد في ضبط بوصلة اتجاه الاقتصاد والتوازن بالنمو المستهدف.