د. خيرية السقاف
«هاشتاق» أحد أهم ركائز ومنطلقات الفضاء الإلكتروني في عالم التواصل ..
هو مقصد الغايات, ومبتدأ النوايا, ومقصد التأثير والتغيير, ومحرك الأحداث, والفاعل في التوجُّهات, والجاذب للتكتلات !!
هو بالفعل وسيلة من يبتدر صباحات في خفاء بمراده, وأداة لمن يهدف لنشر بغيته,
هو الفارط في الإحراق, والموغل في التفتيت, والجارف للرعاع, والمغري للفارغين,
وهو الترجمة الدقيقة لمقولة العربي « مع الخيل يا شقراء» ..
حين كانت الخيل تكرُّ وتفرُّ بالخيَّالين في حروبهم الصغيرة, تثير المستقر في الأرض من التراب, وتغطي على العيون بالغبار, وتـقضي للراكض بمرماه..
«الهاشتاق» يوصل من وضعه لمرماه, ولك أن تدرك أنه ليس صناعة فردية, إنما هو إرادة قصدية في معمعة ما يحدث في هذا العالم من حراك..
ولعله الأداة المؤثرة والفاعلة في الشرائح البشرية التي تحركها «هاشتاقات» الساسة المحاربين, والقاصدين التأثير في وجدان الشعوب العربية المسلمة, والهيمنة على أفكارهم, واستمالتهم, وتغيير قناعاتهم, وبث الفرقة الفكرية والنفسية بينهم.. جماعاتٍ وأفراداً في نواح عديدة, ومختلفة..
لبث الخلاف بينهم, وتفتيت الثقة فيهم, وشغلهم بتوافه الأمور, وتعميتهم عن كثير مما تأخذهم إليه هذه الوسيلة تنتزعه من ذاتهم لتحل فيها عكسه تماماً بشكل غير ملموس, وإنما نتائجه ذات بعد عميق..
تحديداً في هذه المرحلة التي نشط فيها واحتد المعادون للعروبة, والإسلام, ولكل مجتمع آمن, قصدها تفتيت شعوبها, وتغيير ثوابتها, ونقض أبنيتها, وشتات لحمتها.. للاستفادة من خيراتها.
لا يُغرُّ العاقلون باللغة التي تكتب فيها هذه «الهاشتاقات» , ولا بالمضامين حين تكون بالعربية أو بلهجاتها المختلفة, فهم يدركون مقاصدها, وتوجهاتها, وغاياتها في أي موضوع تكون وإن تعلق بشأن فرد, أو برأي جماعة في أي أمر اجتماعي, أو فردي, أو فكري, أو فني, أو سياسي فكلها تتجدول لتصب في مرماها آتية من مصدرها الخفي الذي يدركه هؤلاء العقلاء ترمي بعصاها في كل صوب...
لكن العامة الذين لا يدركون غاياتها, ولا يعرفون مصادرها, ولا يتوجسون هدفاً وراءها, هؤلاء يندفعون في مجاراتها بلا ضابط, والدليل الشاهد على هذا, هو وصول هذه «الهاشتاقات» وهي في ظاهرها الغالب سطحية هشة إلى أرقام عالية «ترند» مما ينم عن فاعليتها في بلوغ مرماها.
ما يفكك الهدف منها وهو الهيمنة على الأعداد الكبرى من نسب عامة الناس في هذه المجتمعات هذا الاتباع في مجاراتها, وهذه الاحتدامات بين المعقبين والمعلقين عليها, ودخولهم في نزاعات مع بعضهم, وهم لا يعرفون بعضهم.. حتى بلغ السيل فيها مبلغ البذاءة وسوء الأدب, وفراغ العقل, وضعف المعرفة, وسطحية الرأي, وهشاشة الثقافة. بل الجهل بتاريخ الأمة, وحقائق التشريع في كثير مما يستوجب عقلية واعية مدركة لأقل القليل منها.
إنّ لكلِّ وسيلة حدَّين : حدٌ يُشْرِق, وحدٌ يُحْرِق..
والحدُّ المشرق في وسيلة «الهاشتاق» تلتهمه نار الحدِّ الحارق فيه..
وقد بلغت ألسنته العنان !!..