د. جاسر الحربش
في العالم يوجد ثلاثة أنواع من الصحافة، صحافة مداهنة وصحافة حذرة وصحافة طليعية. النوع الثالث، الطليعي، لا وجود له في العالم الثالث بكامله، ولا حتى في الدول التي فيها انتخابات وأحزاب للمعارضة، ويشمل ذلك العالم العربي بكامله والعالم الإسلامي بما في ذلك تركيا وإيران وماليزيا وباكستان. بقية الدول في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية خارج اهتمام هذا المقال.
الصحافة الطليعية موجودة فقط في الدول التي يحمي فيها القانون ورقابة مؤسسات المجتمع المدني حرية الرأي داخل إطار الالتزام بالمصلحة الاجتماعية من أعلى هرم المسؤولية إلى القاعدة الشعبية. أما النوع الأول والثاني، أي الصحافة المداهنة والصحافة الحذرة فهي الأنواع الموجودة في الدول العربية كلها بما فيها نحن.
الصحافة المداهنة معوقة للتطوير والتنوير وفاقدة تماماً للمصداقية لأنها تعمل وفي دماغها ما تعتقد أنه يتماشى مع التعليمات الرسمية فقط، وهو ليس بالضرورة كذلك. هذا النوع من الصحافة لا يهمه رأي القارئ ولا همومه، وفقط انقطاع التغذية الصناعية التي تؤمن أعداداً كبيرة من مطبوعاتها للدوائر الرسمية هو الذي يحكم عليها بالإفلاس والكساد في سوق المبيعات والإعلام.
نبقى مع الصحافة الحذرة، تلك التي تصعد إلى الطلائعية بوجود رئيس تحرير وتهبط إلى مستوى المداهنة بوجود آخر. حقيقة هذا الإرتفاع والهبوط تعطي الدليل على السعة النسبية المتوفرة بما يكفي لمن يريد استغلالها إلى حدودها القصوى بإدارة رئاسة التحرير الكفؤة، أو تكبيلها وكتم أنفاسها من قبل رئاسة التحرير المتدنية الكفاءة أو رخوة الأعصاب والمفاصل.
بالطبع يلفت النظر ذلك التفاوت الواضح بين الصحف السعودية اليومية في معالجة القضايا المطروحة، وحقيقة أن بعضها ينشر مقالات رأي احترافية ومحترمة خارج نطاق النفاق والوفاق (مع الالتزام بالمصلحة العامة)، فلا تتعرض الصحيفة للإغلاق ولا العقاب، ويكون الشأن مع الكاتب متروكاً للوائح الرقابة النوعية بوزارة الإعلام. بالمقابل توجد الصحيفة التي لا تنشر سوى كتابات رأي مالغة بائتة المذاق، لأن إدارة التحرير فيها مصابة بالرهاب من تأنيب وعقوبات متخيلة لا وجود لها. الكل يعرف الفضاء الأوسع للصحف السعودية المطبوعة في الخارج سواءً للكتاب السعوديين أو غيرهم، مقابل الفضاء الذي قد يضيق ويتسع في المطبوعات الداخلية لكنه يظل أضيق منه في صحافة الخارج. الإشراف الوزاري واحد واللوائح التنظيمية واحدة، لكن رئاسات التحرير تختلف في المهنية والشجاعة الاقتحامية.
يبقى القول أن وسيلة الإعلام الحر الملتزم تعتبر من أهم آليات الرقابة والتنوير والتطوير في كل دولة تنشد التقدم والاحترام.