خالد بن حمد المالك
من المؤسف أن يأتي من تَحوُل بين راغب في الحج أو العمرة أو الزيارة وبين أن يصل إلى البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج أو العمرة والصلاة في مسجد رسول الله، وأن يعطي نفسه هذا الحق بقرار ظالم يمنع فيه حجاج بلده من الذهاب إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، بسبب اعتقاده أن مثل هذا القرار يساعده في فك أزمته، والخروج من العزلة التي تطوق نظام حكمه، ولا تترك له فرصة للتخلص من هذا الوضع، فيقوده تفكيره الساذج إلى أخذ مثل هذا القرار، والإيهام بأن الحاج القطري سوف يعامل معاملة غير كريمة، وتتم مضايقته خلال أدائه هذه الشعيرة من السلطات السعودية، ولهذا لم يكتف نظام تميم بمنع حجاج قطر، واختلاق الأكاذيب لتبرير فعلته، وإنما ذهب إلى ما هو أخطر بالمطالبة بتدويل الحج، ضمن ما يعبّر به النظام عن نفسيته القلقة، وشعوره بفقدان الأهلية لإدارة معركة أزمة البلاد مع الدول الشقيقة.
* *
لا أظن أن المواطنين القطريين، وقد مروا على امتداد التاريخ بزيارات متكررة لأقدس بقاع الدنيا، سوف يصدّقون هذه الأسباب المفتعلة لتبرير جريمة تمنعهم من أداء فريضة الحج، فهي دعوة خبيثة، فيها لؤم وخيانة ومحاكاة لإيران، وتنفيذاً لطلبها، وهي دعوة مدانة ومرفوضة ولا قيمة لها، ولكنها تظهر ما كان شيوخ قطر يخفونه من حقد وكراهية للمملكة ولدول مجلس التعاون ومصر، وهو ما كانت الدوحة لا تجرؤ من قبل على الإفصاح عنه، فإذا بالتطورات الأخيرة في علاقاتها بالمملكة، تظهر ما كانت تخفيه وتتستر عليه، لتؤكد صحة القول: كل إناء بما فيه ينضح، فقد بان معدنها، وموقفها غير السوي، وتعاونها مع العدو، لتضرب بذلك مثلاً جديداً صارخاً على أن قطر بهذا النظام لا تعدو أن تكون خنجراً في خاصرة دول مجلس التعاون، ومصدر تغذية لعدوان إيران وأطماعها ومؤامراتها علينا، ولكن هيهات لإيران (بفزعة قطر وبدونها) أن يكون لها موضع قدم في أرض لنا، أو أن تصل إلى أوهامها بقيام الدولة الفارسية على أجزاء من أراضينا.
* *
وبالتأكيد، فكلُّنا أسفٌ وشعورٌ بالمرارة أن يَحُول النظام القطري بين المواطنين وقدومهم إلى الأماكن المقدسة، رغم كل الإيضاحات والتطمينات والتسهيلات التي قصدت بها المملكة ترغيب وتشجيع الأشقاء القطريين لأخذ فرصتهم في الحج والعمرة وزيارة مسجد رسول الله في المدينة المنورة هذا العام، بما لا نجد لهذا المنع من تفسير، إلا أنه يظهر حجم التخبط في السياسة القطرية، وإلى أي مدى وصل نظام تميم من الانحدار في قراراته التي يأتي هذا المنع ضمن مجموعة من التصرفات التي آذت وتسلطت على المواطن القطري المغلوب على أمره، ما يجعلنا في موقع المضطرين لإيضاح الحقائق، والتأكيد على أن عوار هذا النظام هو الذي وضع البلاد والعباد على هذا النحو، فهو يؤكد بين يوم وآخر على أنه نظام أعمى وكسيح، فلا يُنتظَر من نظام بليدٍ كهذا أن يتعامل بفروسية وحكمة، وبُعد نظرٍ مع ما يعصف بقطر من أوضاع مأساوية.
* *
وما يبهج الخاطر، ويسرُّ النفس، أن أهلنا في قطر لا يجهلون تسييس قرارات كهذه على حساب حرمان المواطنين من أداء شعائرهم الدينية، وأن ارتماء النظام القطري للتوجيه الإيراني، والفئات الإرهابية، وكذلك تعاطيه بالشراكة مع كل من لديه الاستعداد لإيذاء المملكة والإمارات والبحرين ومصر، قد تعامل معها المواطن القطري بحسه الوطني والخليجي والعربي بامتعاض ورفض شديدين لهذه السياسة، واعتبارها انقلاباً على المبادئ التي قام عليها مجلس التعاون والدولة القطرية، وهذه مواقف تُذكَر فتُشكَر للمواطنين القطريين، فهم لم يتنكروا لانتماءاتهم، كما فعل شيوخ قطر، ولم يسمحوا لأنفسهم بأن ينساقوا أو ينجروا إلى ما تضلل به وسائل الإعلام القطرية وتلك الممولة من قطر، فهم لا يجهلون أن النظام القطري لا يبحث عن مصلحة لقطر ولا لأشقائها، وأن أبواق الإعلام المشتراة تتحدث بقدر ما يُدفع لها، وبحسب ما يريد نظام تميم، فلا تقدم الحقيقة للمواطنين.
* *
لقد أصبحت صورة قطر تتقزّم من يوم لآخر، وتبدو مشوهة مع كل موقف جديد لنظامها، أو تصرف أحمق من خلال تصريح لهذا المسؤول أو ذاك، يما يحملُه من الكلمات والآراء والأفكار، بل والأكاذيب، ما وسعَ فجوة الخلافات بين قطر وأشقائها، فيما كان على من بيدهم السلطة أن يضعوا أنفسهم في خدمة قطر، وذلك بأن يعترفوا بجرائمهم واستعدادهم للتراجع عن أي موقف قد يكون محل غضب الأشقاء في المستقبل، وخصوصاً أن الدول الأربع تجنبت التصعيد، وأجلت القرارات المفصلية، وفتحت باب الحوار، واتفقت على الحد الأدنى قبل ذلك مع قطر لإيقاف إرهابها، لكنها بدلاً من ذلك فقد تطورت مخططاتها، وزادت مما كان ذا تأثير على هذه الدولة من هذه الدول، بتعاون قطر مع إيران والإخوان المسلمين وحزب الله وحماس والحوثيين، وغيرهم من الأفراد والكيانات والتنظيمات، ما لا يمكن السكوت عليه، أو إعطاء المزيد من الفرص لحلول ثبت أن قطر ليست جاهزة لها، لا الآن ولا في المستقبل القريب.
* *
لكن حين تمنع الدوحة الحجاج القطريين، وحين تطالب بتدويل الحج في سابقة خطيرة، وحين تفتعل أسباباً من خيال القرضاوي وحماس وبشارة - ربما - لتبرير هذه المواقف المدانة، وكأنها تقول: إني ماضية في هذه السياسة رضي من رضي وغضب من غضب، ونحن نقول: ها قد وصلكِ الرد بقطع العلاقات وإقفال الحدود، ولن ينفعكِ البكاء والنياح، وطرق أبواب دول العالم، والتوسُّل لدى المنظمات الدولية، ولا القواعد العسكرية، والدعم الإيراني المشروط، ولكِ أن تختاري بين ما تسميه بالحصار، وبين أن تواصلي الشراكة مع من يتآمر علينا، وقد أقفلت الأبواب أمامه وأمامك، ولن نُمَسَّ بسوء، ولن يصلنا أي ضرر، لكن أسانا وحزننا مصدره أن يطال عقابك حجاج بيت الله الحرام من القطريين الذين لا ذنب لهم في قطع العلاقات ولا في إقفال الحدود حتى تتم معاقبتهم بمنعهم من الحج.
* *
ماذا تريد قطر، أسأل نفسي مع كل كلمة أكتبها، وحيثما كانت هناك مناسبة للحديث عن الأزمة القطرية، فلا أجد جواباً، ومثلي كثيرون هذا هو موقفهم، إذ ليس لقطر مصلحة في هذه المواقف المشبوهة، والسياسة المريبة، وإنما هو عبث صبياني، قاد الدوحة إلى هذه المرحلة من الضياع الذي ظلت دول الخليج حريصة على أن لا تصل الدوحة إلى هذه المرحلة، فقد كانت تجامل وتهادن، وتقبل بالوساطات، وتكتفي بالتعهدات، إلى أن أصبحت قطر دولة كاذبة ومخادعة وميؤوس من التزامها بما يتم الاتفاق عليه، مع الاستمرار في التحضير لمؤامرات ضد أنظمة دولنا واستقرارها واستقلالها، ما فجَّر الموقف، وأصبحت دولنا في وضع من (إذا لم يكن غير الأسنّة مركباً فما حيلة المضطر إلا ركوبها)، وقد كانت الدول الأربع شديدة الاضطرار لأخذ هذا الموقف، لكنها معذورة، ولابد أن المواطن القطري يتفهم ذلك لها، ويدرك أن صبرها قد نفد.
* *
مرة أخرى، لماذا يُمنَع القطري من أن يحج، ما علاقته بهذا الخلاف، حتى يُحرَم ويبقى سجيناً في الدوحة، هذا شيء يثير انتباهنا وألمنا بقدر الألم الذي يشعر به الشقيق القطري، بل إننا نشاركه في موقفه الغاضب من نظام تميم ليس بسبب منع الحج عن القطريين فقط، وإنما من كل المواقف والقرارات غير المسؤولة، وقد تسببت بما هو عليه المواطن القطري من ضائقة في كل شيء، وحرمانه من أبسط الحقوق، وبينها تواصله مع أخيه وشقيقه الخليجي، بسبب تأثيرات أجنبية في الداخل والخارج، مستغلين ارتماء شيوخ قطر، ووضعهم ثقتهم في هذه العناصر المتآمرة، لجر قطر إلى هذا المستنقع الذي هي فيه الآن، فيما أن المواطن القطري المهمش، لا يملك حق الاعتراض، أو إبداء الرأي، أو المشاركة في الاعتراض على هذه القرارات لكي لا تكون بهذا السوء، ولا تحمل كل هذا الحقد، ويتم تنظيفها حتى لا تكون هناك فتنة أو قطيعة مع الدول الشقيقة.