إبراهيم عبدالله العمار
يقول د. ريتشارد نيسبت في كتابه «جغرافية التفكير» - وهو كتاب عن فروق التفكير بين الآسيويين والغربيين - إنه في القرن التاسع عشر وضع خبراء العلوم الاجتماعية تفريقاً بين نوعين من الحضارات، الأول أسموه بالكلمة الألمانية جيمنشافت، وهو مجتمع قائم على إحساس مشترك بهوية واحدة، والنوع الآخر أسموه جيسلشافت، أساسه التكالب لتحقيق أهداف ذرائعية معينة. النوع الأول جيمنشافت قائم على علاقات موجودة لذاتها تستند على شعور بالوحدة والتبادلية، مثلاً: العلاقات بين أعضاء العائلة، بين المصلين بمسجد الحي، بين مجموعة أصدقاء. إنها ترتكز على التعاطف والتعامل المباشر وربما حتى أملاك مشتركة، وهي من سمات المجتمعات الشرقية. لكن النوع الثاني جيسلشافت أساسها العلاقات التي توجد لتحقق مقصداً محدداً، علاقات هي وسيلة لغاية، كثيراً ما تشمل تبادل السلع والخدمات وتقوم على العقود والمساومة. هذه مجتمعات تسمح بالمنفعة الشخصية والتفوق التنافسي، ومثالها الشركات، وهذه من سمات المجتمعات الغربية.
جيمنشافت أبرز صفاته الاتكال المتبادل interdependence، وهي كلمة تختلف عن الاحتياج والاتكال، فتعني أن يكون الشخص له كيانه لكن يحترم ويعتمد على علاقاته مع الآخرين. أما جيسلشافت فسِمَتها الاستقلالية. منذ المهد، فالآسيوي وأكثر الثقافات تجعل الرضيع ينام مع الوالدين في الفراش، بينما في الغرب ينام في سريره المستقل، ويستمر هذا التواصل الآسيوي، فمثلاً الطفل الياباني دائماً مع أمه، ويستمر بعض اليابانيين ينشد هذا التقارب إلى أجلٍ غير مسمى، وتحصل غرائب من ذلك، فعلماء أمريكان ويابانيين رغبوا في أن يدرسوا مجموعة أمريكية وأخرى يابانية من المتطوّعين لتجربة نفسية، والموضوع كان عن مدى رغبة الشخص أن يكون مع أمه، وكانت التجربة شاقة على العلماء بسبب التباين الهائل بين الحضارة اليابانية والأمريكية، فالعلماء اليابانيون أصروا على وضع إحدى إجابات الاستبيان: «أريد أن أكون مع أمي طوال الوقت». وهذا استنكره العلماء الأمريكان، وقالوا لنظرائهم اليابانيين إن الأمريكان سيضحكون بشدة على هذا الخيار ولن يأخذوا الاستبيان بمحمل الجد!