خالد بن حمد المالك
نعم أنا ضد أيّ قرار تعسفي يمسّ قطر، لا أقبل به، ولا أتضامن مع من يتخذه، فقطر منا ونحن منها، ننتمي معاً إلى الخليج والعروبة والإسلام، وتجمعنا بها قواسم مشتركة كثيرة، أبرزها الجوار والانتماء الأسري والمصاهرة والتاريخ المشترك، كل هذا وغيره يجعلنا في صوت واحد مع قطر ضد أيّ قرار تعسفي بحقها، إذا تبين لنا أن ذلك قد حدث فعلاً لا كما تدعيه الأصوات المبحوحة والأبواق الإعلامية المأجورة، من أن قفل الحدود حصار لقطر، وأن قرارات الدول الأربع بحق قطر إنما هي قرارات تعسفية تخالف مبادئ القوانين الدولية ذات الصلة، وكأن لقطر منفردة الحق والصلاحيات في تفسير القوانين والأنظمة بما يتوافق مع هواها ورغبتها ونواياها المبطنة.
* *
نعم أنا ضد أيّ إساءة توجه لقطر، وضد أيّ مساس بها، لكن هذا أساساً لم يحدث ولن يحدث، ومرة أخرى قطر منا ونحن منها، ونحن أول من يدافع عنها إذا مسّها ظلم أو جور وتعرضت لأذى، مهما كانت الخلافات مع نظام تميم، فما يسيء إلى قطر يسيء إلى المملكة والإمارات والبحرين ومصر، وهذا ما لم تدركه الدوحة بعد، وإن كان الأمل أن تكون قد استوعبت الدرس بعد القرارات المفصلية الموجعة التي يبدو أن تأثيرها قد بدأ، وأن الرسالة قد وصلت لشيوخ قطر بشكل واضح وجلي لا لبس ولا غموض فيه.. هناك فرق بين الإجراءات التعسفية، وتلك التي تكون بمثابة (صد دفاع) للأخطار التي تشكلها أساسيات المخططات والعمليات القذرة التي تقوم بها قطر نيابة عن إيران وبقية المتآمرين على وحدتنا الخليجية واستقرار دولنا.
* *
وما يزعمه المسؤولون في قطر من أن إجراءات المقاطعة عمل تعسفي إنما هو ادعاء مردود عليهم، بدليل أن الشكوى التي تقدموا بها لمنظمة الطيران المدني الدولية لفك ما أسموه بالحصار من خلال فتح الأجواء أمام الطيران القطري في الدول الأربع قد رفض، وقد سُدّت الأبواب أمام ادعاءاتهم حين تقدم ممثلو المملكة والإمارات والبحرين ومصر بفتح ممرات جديدة لتسهيل حركة الطيران، دون أن يُسمح لقطر باستخدام أجواء هذه الدول.. والأمر الآخر حين تقدمت الدوحة بشكوى إلى الأمم المتحدة يزعمون فيها أن المملكة منعت الحجاج القطريين من الحج، ويطالبون بتدويل الحج (!!) وقد كانت هذه الشكوى موضعاً للتندر والسخرية والضحك لسببين:
الأول: أن قطر تكذب أمام أهم منظمة عالمية بادعاء منع الحجاج القطريين من أداء الحج والعمرة وزيارة مسجد رسول الله في المدينة المنورة.. والثانية: أن دعوتها غير المسبوقة من خلال المنظمة الدولية بتدويل الحج هو تدخل سافر في الشئون الداخلية لدولة عضو في المنظمة، بما لا يسمح ذلك بالموافقة أو النظر بطلب جاهل كهذا.
* *
نحن مع قطر ضد أيّ قرار تعسفي، وعليها أن تقدم قراراً واحداً تتوفر فيه مواصفات الإجراء التعسفي، لا تلك المغالطات والأكاذيب والادعاءات التي لم يعد لها مكان في القبول والتصديق، حتى وهي تمارس سياسة الدفع التي اعتاد المال القطري أن يكون حاضراً في شراء الذمم، وتركيع الأنظمة، وخلط الأوراق لتغييب المصالح وإخفاء الحقائق، في أنانية بغيضة، وتصرفات هوجاء.. وكأن الدوحة مطمئنة على أن أحداً لن يصل إلى ما يدله على المخبوء من أعمالها السيئة، فإذا بالدول الأربع تفتح الملفات، وتعرّي المواقف القطرية المسيئة للأمن والاستقرار والنزاهة، وتذهب أكثر من ذلك إلى تقديم ما تحتفظ به من الأدلة التي تدين الدوحة بدعم الإرهاب والعنف والتطرف بالوثائق التي لا تملك قطر ما تنفي بها مؤامراتها.
* *
إذاً على قطر أن تبحث عن أسلوب آخر لمواجهة التحديات التي تواجهها، بسبب ما ثبت ضدها من جرائم ليس أمامها من فرصة للهروب وعدم الاعتراف بها.. والأسلوب الذي نعنيه أن تقبل بالشروط وطلبات الدول الأربع، حتى وإن رأت فيها أنها مذلّة لها، فهي أرحم من أن تُصر على رفضها، وتُكابر في مواقفها، بما سوف يعقّد أزمتها، ويضعها على حافة الخطر.. وكلما أمعنت في ارتكاب ما يبرر تضييق الخناق عليها، فلن تجد حينئذٍ من يقف إلى جانبها، أو يساعدها في تجنب الأضرار المتوقعة كرد فعل لتمردها على الثوابت في العلاقات الدولية بين الدول، فضلاً عن أن تكون هذه العلاقة بين شقيقة وجارة، كما هي قطر مع شقيقاتها الدول الأربع.. لأن الرهان على إيران لا يجدي نفعاً، ولا يحل الأزمة القطرية، ولها في التاريخ دروس وعبر، وعلى الدوحة أن تتعلم منها بما يفيدها لا بما يلقي الضرر عليها.
* *
فمفهوم قطر للقرارات التعسفية، غير مفهوم غيرها من الدول، وما تم من إجراءات لا يندرج ضمن المفهوم القطري القاصر، وأيّ تحرك اعتماداً على هذا المفهوم فلن يكون مصيره إلا الفشل الذريع، وبالتالي فالمطلوب من النظام القطري أن يبحث عن بدائل أخرى، وخيارات غير اللجوء إلى عسف الحقائق، وإلا ستظل السياسة القطرية في حالة تيهان وضياع، وستزداد أزمتها مع الأشقاء والجيران في تصاعد، وستكون الحلول المطروحة الآن لنزع خلافاتها، غير ممكن الاكتفاء بها في المستقبل، والأولى بالدوحة أن تتمسك بما هو مواتٍ لها الآن، من أن تفرط به، ولا تجد نفسها فيما بعد إلا وقد تعرضت للغرق، وطمرها الطمي، ما نُحذّر قطر منه، ونخوّفها من أن يكون هذا مصيرها.
* *
كل الإجراءات التي اتخذت ضد قطر بدءاً من الوساطة الكويتية للصلح مع قطر، مروراً بوضع الطلبات على طاولة أمير البلاد، ومن ثم قطع العلاقات معها، فإقفال الحدود البرية والجوية والبحرية، وما تبع ذلك من شروط وطلبات أخرى، كلها لصالح حل أزمة قطر، ولا نرى في أيّ منها وصفه بإجراء تعسفي كما تدعي الدوحة، ولو تأكد لنا ذلك لوقفنا إلى جانب النظام القطري، غير أن ما هو واضح ومؤكد، أنها إجراءات الغرض منها منع الإرهاب القطري، والتدخل القطري أو من خلال قطر بالشئون الداخلية لهذه الدول الأربع، وهذا من حقها، وتعطيه لها الأنظمة والقوانين الدولية، وليس لقطر الحق في أن تحتج أو تعترض أو تشتكي لأيّ منظمة دولية، وعليها أن تعالج بنفسها الأسباب التي دعت هذه الدول لأخذ هذا الموقف من قطر.
* *
ومن المهم أن تدرك الدوحة، وأن يكون نظام تميم على علم بأنه لا تراجع عن هذه القرارات، إلا حين تذعن قطر للمطالب، وتستجيب لتنفيذها، وتعطي الضمانات المؤكدة بالتزامها بها، إذ لا يمكن التراجع بعد القبول، أو نكث الوعود، أو التخلي عن أي اتفاق يتم التوقيع عليه، ولا يوجد بين المطالب الثلاثة عشر، ثم الستة، ثم تأكيدات الرباعية ما يمكن وصفه بأنه إجراء تعسفي حتى يمكن إعادة النظر فيه.. وباختصار فإن هذه الأزمة بتفاصيلها ومختصرها لا تحتاج إلى من يفسر أسبابها أو من يقف وراءها؛ إذ ليس هناك من طرف في هذه المشكلة سوى قطر ومن يشترك معها في المؤامرة على دولنا؛ ومن الواضح أننا أمام تصعيد للأزمة من جانب قطر، وأن المقترحات والطلبات والشروط والضمانات المطلوبة منها ليس في وارد الدوحة أن تستجيب لها، أو أن تجد القبول لدى الدوائر الأجنبية المؤثرة في إدارة الأزمة القطرية، ما يعني أن على الدول الأربع أن تزيد من الضغط على قطر بمزيد من الإجراءات التي يضطر نظام تميم معها إلى التراجع عن سياسة التصعيد، والموافقة مرغماً على ما طُلب منه.