فوزية الجار الله
كانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف مساء حين أقبلت إليها تحمل فنجاني قهوة على صينية بلاستيكية تزينها بعض النقوش المنمنة من الطراز العثماني..
اتخذتا مقعديهما على الطاولة الصغيرة على الشرفة..
ما رأيك بجو رومانسي، قالت وهي تحمل بيدها حامل الشموع الثنائي من الداخل، أشعلت شمعتين لكن سرعان ما أطفأهما الهواء الذي كان يهفهف عليلاً حولهما..
حسناً لا بأس، لا داعي للضوء يكفي إضاءة المباني المجاورة، ليس أجمل من هذا البهاء، لا داعي لاستحضار عبارات صحية تثقيفية حول النهي عن شرب المنبهات مساء، نترك كل تلك الاشتراطات خلفنا ونعرف شيئاً جميلاً الآن فقط نحن في حضرة القهوة، وللنوم والراحة والصحة رب يتكفل بها جميعاً برحمته.
حالما بدأتا الحديث وصلتهما أصوات أسفل الشرفة نظرتا أسفل، المشهد المعتاد، بعض الشباب المراهقين المجهولين يختارون هذه المنطقة إلى جانب المجمع السكني غالباً وقد بات وجودهم مخيفاً خشية أن يكونوا من مدمني الشراب أو المخدرات أو ما إلى ذلك فيصبح العبور من جانبهم خطراً خاصة حين يحل المساء وحقيقة هم لا يظهرون إلا في المساء، في الساعات المتأخرة غالباً. بين الفترة والأخرى تقف الضيفة القادمة لمراقبة أطفالها الذين يلعبون داخل المجمع، في ساحة الملعب.. فجأة هتفت أنظري سيارة الشرطة، حضرت إلى الشباب، هبت الأخرى واقفة متجهة بنظرها حيث الحدث.. الشاب المراهق كان يقف إلى جانب سيارته رمى باللفافة المشتعلة إلى الأرض حالما اقترب منه رجل الشرطة..
أنظري رمى بالسيجارة، لابد أنها حشيش!..
*نعم حشيش! لم لا؟!..
يبدو الشرطي يسأل ويستجوب، ترجل الشاب الآخر من السيارة. استغرقتا في مراقبة المشهد لدقيقتين أو ثلاث..
* هش.. دعينا نسمع مايقولون لنعرف الحكاية!..
تبادلتا نظرة خاطفة مليئة بالمعاني ثم ضحكتا طويلاً، مابين السعادة والسخرية للمفارقة ولطرافة الموقف، سواء وصلتهما الكلمات في غاية الوضوح أو لم يحدث لن تفهما شيئاً فلغة الواقفين أسفل مختلفة تماماً هما بحاجة إلى وقت طويل لدراستها وفهمها واستيعابها.. هما الآن لا تعيان منها سوى بضع كلمات لا تغني ولا تسمن..
ضحكتا طويلاً وعادتا إلى جلستهما الاستثنائية في حضرة القهوة.
* يكتب الكاتب لأجل ذاته ولأجل الآخرين، وللقراءة أهداف كثيرة تتراوح مابين المتعة والتسلية من جانب ومابين المعرفة والفائدة من جانب آخر. في «القصة» أعلاه آمل ألا أكون قد تجاوزت هذه الأهداف، فقد كتبتها مع سبق الإصرار والترصد فنحن في أوج الصيف، يحيط بنا «آب اللهاب» كما يقال ولاجلد لكثير من القراء على قراءات ثقيلة.