د.فوزية أبو خالد
تتنازعني اليوم مرة أخرى في خضم محيط القلق العاصف بنا، عدة مواضيع ملحة؛ تستحق الكتابة عنها، أو على الأقل التوقف لتأملها تأملاً مشتركاً بيني وبين القراء. أما أصحاب القرار فلا أدري إن كان يعنيهم أعانهم الله أن يطلعوا على آراء الكتاب.
أما المواضيع التي أود انتخابها للطرح في هذا المقال فتتراوح على سلم الاهتمام اليومي والمصيري ما بين سقف الرغيف والذي هو سعودي مع النجاح في تعميم التعليم يتمثل في (توفير العمل والسكن والرعاية الصحية) إلى مطلب الحفاظ على السلم الأهلي ومعالجة كل أشكال الشحن التمايزي قبليا أو طائفيا أو طبقيا.. إلخ، معالجة عاجلة ومعالجة جذرية. كما أن شاغل هذه المواضيع يمتد من قلق المواجهة المسلحة التي تتصدى لها الدولة بأرواح شباب وطني مخلص جنوبا وقلق المواجهة الدبلوماسية الصعبة المفتوحة من موقع المملكة القيادي بمجلس التعاون الخليجي إلى هواجس حالة المحاق المحيطة بمنطقتنا عربيا والتي تجري ترتيبات إشعال حروبها وإطفائها وإعادة ترسيم الحدود جغرافيا وعسكريا وسياسيا وسكانيا بناء على توافقات دولية وإقليمية (أمريكا روسيا إيران تركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي) دون أن يكون لمصالحنا كأوطان ناقة أو جمل في حساباتها، هذا إذا لم تروم إعادة موقعتنا نحو مزيد من الهامش ليس في مفاوضات تسويات الخرائط بل في الخرائط نفسها.
وهذه المواضيع التي تشغلني كمعظم كتاب الرأي والضمير تتنوع من القلق المالي على الاقتصاد الوطني (لريثما تتضح خارطة الطريق لرؤية 2030 إذا أراد الله) إلى القلق السياسي بشأن شكل وموضوع وتوقيت مشاركة المجتمع في الشأن الوطني داخليا وخارجيا. ومن سؤال حاجة المواطن الأساسية لحرية الفكر والتعبير والانخراط في العمل المدني بضمانات حقوقية إلى التعامل مع تحديات حاضر ترتبط جل قواه المتنفذة بحنين جارف غير عقلاني مع الماضي وتسود فيه محسوبيات مركبة من القبلية إلى الشللية. وهنا لا أستطيع إلا المجاهرة وعدم ادعاء عصمة الكاتب برباطة جأش وقوة شكيمة مزعومة إزاء ما يفتك بفكري وما يعصف بحبري من قلق الصمت عن هذه المطالب وقلق التستر على قلقها، أو في أحسن الأحوال اللجلجة في الإفصاح عنها ولو من باب البحث في أسئلتها واستحقاقاتها.
أما التوق المستقبلي للاستقرار والسلم وللجيرة الحسنة خليجيا وإقليميا وإلى التقدم قدما بوطن مستقل موحد متعدد متشارك في السياسة، كما في الاقتصاد وفي الحلم كما في الواقع يحسب حسابه العدو قبل الصديق فليس لتحقيقه من سبيل دون مصارحة الذات دولة ومجتمعا بوجود ما يستدعي القلق في مرحلتنا الحالية بقدر ما وجد ما يستدعي الأمل.
ونظراً لما أحسه تجاه قائمة هذه المواضيع على ضخامتها وثقل حمولتها من مسؤولية شخصية ومسؤولية وطنية وقلق وجداني وعقلي معاً، وكأنني أريد أن أحمل بريشة نحيلة بحراً شاسعاً متلاطماً، فقد تعثرت في تحديد البحث والحديث في واحد محدد من تلك التحديات، ووجدتني أزج بالقراء معي في محاولة قراءة «تحرك الشجر» بالعين المجردة.
فالبلاد اليوم تواجه تحديات لا يمكن تحييدها، بعضها طارئ، وبعضها مستجد، وبعضها متعالق مع تحديات مزمنة، لم ننجح في تجاوزها بعد، وبعضها قد يهدد - لا سمح الله - إنجازات لم نبلغها إلا بكفاح وجدال اجتماعي طويل، وأهمها إنجاز الوحدة الوطنية السياسية، ونجاحنا إلى حد كبير في تحويلها إلى نسيج اجتماعي شديد التقارب على تعدده، وإلى هوية موحدة. هذا بالإضافة إلى تحدي التحولات، وسؤال تحديد هوية المسار السياسي والاجتماعي والاقتصادي بين المحتمل وبين المنشود.
ولو حاولنا بحث تحديات المعاش اليومي، وأنا أفترض أنني أتمثل صوت المواطن أو على الأقل أتخيله، فسنجد حزمة منها. يتعلق بعضها بسؤال مسؤولية الدولة عن توفير الخدمات الأساسية على ما تعوّده المواطن منذ تأسيس الدولة السعودية وقيامها بدور دولة النفط الريعية بعيداً عن مشاركة القطاع الاستثماري الخاص ومنظمات العمل الأهلي؛ لأن الأخيرة لم توجد أصلاً إلا بأشكال رمزية وهشة.
لا نريد أن نكرر قول «في الصيف ضيعت النفط» عندما أخذنا على حين غرة بعد طفرة النفط الأولى في السبعيات الميلادية نتيجة إدارتنا الريعية للمردود البترولي واستجابة المجتمع الاستهلاكية، بل نريد إرادة وإدارة وطنية مشتركة، ُتسير الرياح بما تقتضي مواجهة التحديات من شجاعة وشفافية.
أما التحديات المصيرية خارجيا وفي تداخلها الداخلي فتتعلق أولاً بمواجهة ما بعد سقوط داعش لئلا يتولد غول إرهابي جديد كما حدث بعد نهاية إرهاب القاعدة. وتتمثل في مواجهة الشحن الطائفي ومواجهة تهديده للسلم الأهلي والوطني، بما يحمله ذلك من مسؤولية تفكيك لعبة النار لدولة إيران الطائفية. وتتمثل أيضاً في المسؤولية المملكة سعوديا وخليجيا عن السلم الخليجي والعربي معا إزاء تقاسم القوى الإقليمية والعالمية في الألفية الثالثة لتركة «النظام العربي المريض» كما جرى في الألفية الثانية ابتلاع تركة الرجل المريض.
فما لا يدرك كله لا يترك جله والمملكة بمشاركة قواها الاجتماعية قادرة إن أرادت أن تكون رقما صعبا في معادلة جر منطقة الخليج إلى حريق الشرق الأوسط الكبير.