أمل بنت فهد
الحرب لا تنتهي.. مهما بدت الأجواء هادئة.. تبقى هاجساً لا يفارق الأرض.. لأنها مرتبطة بأكثر الغرائز وحشية مهما تطور الإنسان وتمدن.. بين أحلام محرض واستغلال دمية.. ستبقى ما بقي إنسان يتنفس.. ورغم أن للحرب أقنعة جديدة وقديمة.. وأخرى لم يحن وقتها بعد.. فإن لها أيضاً ساحات مختلفة.. من أبسطها قبل اختراع الأسلحة.. إلى اليوم فإنها خلقت لها ساحات وساحات.. وكلها لهدف واحد.. الإطاحة بالخصم.. وزلزلة أرضه وخطواته.
مهما هدأت الحرب في مكان من العالم.. فإنها تثور في مكان آخر.. لذا فإن السلام العالمي معجزة مستحيلة.. والعالم ليس وردياً.. بل أحمر دموي يصارع سواده.
لذا فإن الممكن شيء واحد.. أن يكون وطنك آمناً.. لأن القوة ممكنة حين تملك المال.. فإنك تستطيع أن تملك القوة العسكرية.. وبالتالي تستطيع أن تصنع لك حلفاء ومصالح مشتركة.. كل ذلك ممكن حين تكون الحرب بوجهها القديم.. ساحة قتال وخصوم.
أما اليوم فقد فرضت الحرب ساحة أخرى.. ساحة إلكترونية بيد الجميع.. العاقل والمجنون.. الذكي والغبي.. الصغير والكبير.. العارف والجاهل.
لذا فإنك مضطر أن تعرف أدوات الحرب الجديدة.. تتقنها.. وتفهم أبعادها القائمة على المعلومات.. والتوثيق.. والفبركة.. أرض جديدة يمكن أن يكون فيها الحق باطلاً والعكس.. أرض زلقة.. لا تعرف فيها العدو من الصديق.. ومن الاضطرار أن تجهز جيشاً إلكترونياً ذكياً جداً.. مُلماً بالتفاصيل التاريخية.. والحالية.. جيش مؤثِّر.. قادر على مجابهة العبث.. ويدرك أبعاد الحرب الجديدة.. وكيف يفصل بين المعلومة السلاح.. والمعلومة التي تُدين الآخر.. ومتى تستخدم.. وكيف تُعرض.
بالذات حين تعلم أنك أمام خصوم بينهم النزيه والخائن.. الشجاع والجبان.. الكاذب والصادق.. وحين تعلم أن زعزعة الحصون المنيعة إنما تكون بيد خائن.. وأغلب الخونة تم اصطيادهم من مقابر الإحباط.. ومستنقعات الفاشلين.. هؤلاء أخطر الخونة.. لأنهم انتشلوا من مكان مُظلم أو قذر.. وتم تصعيد الإحباط في داخلهم إلى أن وصل لمرحلة الغليان.. مرحلة الغضب.. ومن هنا أصبحوا دمى مستعدة لخيانة كل شيء.
إن التنظيمات الشيطانية دأبت على فصل المواطن عن وطنه.. صنعت فجوة عاطفية وتاريخية بينهما.. حولت الأوطان من قضية مقدسة إلى شماعة لتعليق الأخطاء.. والفشل الشخصي.. والفساد.. جرَّمت حب الوطن وشوَّهته.
باختصار للحرب رأس جديد.. وأسلحته الإعلام بكل صوره.. ولا يكفي اليوم أن يكون تاريخك مكدساً في الكتب بين عرق المؤرِّخين.. بل تحتاج إلى ترسانة إعلامية تخبر عن وطنها بالصوت والصورة.. منذ سقوط أول شهيد في سبيل الوطن.