عروبة المنيف
تعتبر الأُسرة نواة المجتمع، فلا يستقيم حال أي مجتمع بدون أن يستقيم حال الأسرة، والرباط الزوجي، رباط مقدس تقع على الزوجين مسؤولية رعاية الأبناء الرعاية السليمة والتنشئة القويمة المرتكزة على المبادئ التربوية والأخلاقية الرفيعة، ولا يخفى أهمية دور الأم في المؤسسة الزوجية، ويعتبر تأهيلها من أعظم التحديات التي تواجه أي مجتمع.
إن إقرار الجهات التشريعية لمقترح وزارة العدل المتضمن تحديد «ضوابط وإجراءات لزواج القاصر» ورفعها للجهات العليا للنظر في اعتمادها، يستدعي أخذ النّفَس والتروِّي قبل اعتماد ذلك الإقرار، لما تحويه تلك الضوابط والإجراءات المرفوعة من تناقض.
أول تلك التناقضات، هو «تحديد سن القاصرات»، فحسب الإقرار المرفوع تم تعريف القاصرات بأنهن «اللواتي يدخلن في مفهوم الزواج وهن في سن السابعة عشرة وما دون»، وفي المقابل، نعلم بأنّ المملكة صادقت على اتفاقية دولية لحقوق الطفل وتم فيها تحديد سن الطفل بأنه «كل إنسان تحت عمر الثامنة عشرة «، إذن «فالقاصر من هي دون الثامنة عشرة من العمر» وليس السابعة عشرة كما في ذلك الإقرار!. كذلك « نظام حماية الطفل» المحلي، أقر بأنّ « الثامنة عشرة هو سن بلوغ الطفل أو الطفلة» ومن هم دون ذلك يعتبرن أطفالاً.
ثانيها، هو «طلب التأكيد على أهلية القاصر الجسمانية والنفسية والاجتماعية»، حيث تقر تلك الجهات بأنّ الفتاة في تلك السن غير مكتملة جسمانياً، ما يستدعي تقديم تقرير يثبت أن الزواج لا يشكل خطراً عليها، ويتطلب إحضار تقرير من أطباء النساء والولادة للتأكد من صحتها الجسدية الإنجابية!، وهذا بدوره يقلل من شأن المؤسسة الزوجية، فالمرأة ليست للتفريخ فقط، ولو سلمنا بذلك!، فقد أثبتت الدراسات بأنّ أفضل سن للإنجاب عند المرأة هو بين سن» 20-35 «عاماً، تكون فيها البويضات صحية يمكن تخصيبها، والدورة الشهرية أكثر انتظاماً، وفي المقابل تؤكد الدراسات أيضاً بأنّ المراهقات هن أكثر عرضة لمضاعفات الحمل والإنجاب من غيرهن، أما فيما يخص وضع القاصر النفسي والاجتماعي، فقد اشتملت الضوابط على إرفاق تقرير عن سلامة القاصر من المختصين، مع العلم أنّ جميع الدراسات تؤكد بأنّ الأم الصغيرة تشعر دائماً بالإحباط وبتعاظم المسؤوليات عليها، فهي غير جاهزة «جسمانياً ونفسياً ومشاعرياً وعاطفياً واجتماعياً» للتضحية والصبر وتحمل أعباء بناء أسرة، وينقصها الحكمة والإدراك عند مقارنتها مع أم ناضجة مكتملة.
ثالثها، يتعلق بموافقة القاصر وسماع رأي وليها!، ماذا نتوقع من فتاة دون السابعة عشرة من العمر لم تنضج بعد؟ والتي في الغالب لا يكون لديها الوعي الكافي لإدراك مصلحتها، فقد أشارت الدراسات «التي استندت عليها تلك الضوابط «بأن السبب الرئيس لتزويج القاصر هو مادي بحت يعود لطمع الأولياء بالمهر، بالإضافة لمعتقدات ومفاهيم خاطئة، وبهذا نترك القاصر ضحية لطمع الولي ولمفاهيمه القاصرة.
تفرض القوانين والأنظمة لترويض المجتمع، فمن الإجحاف تطويع القوانين من أجل فئة من المجتمع تحكمها أطماعها وأوهامها. سيكون فرض قانون ملزم للجميع «بعدم تزويج القاصر من هي دون الثامنة عشرة « صادماً لبعض الأولياء، ولكن سينقذ القاصر من تحمل ما لا تطيق وسينقذ أسرة من أن يديرها من لا يستطيع إدارة نفسه:
«فالأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق»