د. محمد عبدالله العوين
سبق أن كتب كثيرون عن معاناة من أدركتهم حرفة الأدب أو الفن من فقد مصدر رزق ثابت يكفل لهم حياة معيشية كريمة بعد أن ألقت بهم التحولات الاجتماعية والاقتصادية واختلاف ذائقة الأجيال إلى زوايا النسيان والتجاهل والبعد عن الأضواء، قد يكون بعض هؤلاء الموهوبين من الأدباء والفنانين واللاعبين غافلاً لاهياً مندمجاً في أجواء وأضواء موهبته منشغلاً عن بناء أسرة وامتلاك منزل وتأمين مصدر دخل ثابت ودون أن يشعر بسرعة مرور الزمن ووصوله إلى مرحلة الشيخوخة والعجز عن مزاولة موهبته الأدبية أو الفنية أو الإعلامية أو الرياضية، ولكل موهبة عمرها الافتراضي الذي يعلمه ويعيه النابهون اليقظون فيستعدون للحظة الغياب الحتمية التي تفرضها أيضاً وتعجّل بها حالة تدافع الأجيال وتبدل الأذواق وسرعة وتيرة الإحلال والإبدال في كثير من الأعمال والإدارات والمهن؛ بيد أن ما يتصل بالفكر أو الذوق أو الفن أو الموهبة الرياضية - مثلاً - لا يمكن أن يتشابه أو يلتقي مع من يصلون إلى سن التقاعد أو الشيخوخة في الإدارة أو التجارة ونحوهما؛ فهؤلاء أقرب إلى الحياة الواقعية من أولئك الأدباء المحلّقين في أوهام المثالية، أو الفنانين المخلصين لفنهم، أو الإعلاميين الذين تتخطفهم الأضواء وتطحنهم ساعات العمل المضنية في الإذاعة والتلفزيون ليل نهار، أو اللاعبين الذين تعمي أفئدتهم نشوة الانتصار وتحقيق الفوز والعقود المالية الضخمة؛ كثيرون من هؤلاء الموهوبين يجدون أنفسهم يوماً ما وحيدين؛ إن لم يكونوا على وعي عميق بقانون تبدل المواهب وتغيّر الأذواق وتقلّب الإدارات وضعف مقدرة كفاءة الموهبة وحدها على الصمود طوال العمر!
ونتذكّر على سبيل المثال كيف عانى مبدعون من ضيق ذات اليد وتوفي بعضهم ولم يملك منزلاً كالإعلامي الكبير الأستاذ جميل سمان - رحمه الله -، ونفر آخر قيّض الله لهم من مد لهم يد الخير والإحسان من الكرماء الطيبين فاشتروا لهم منازل؛ كما هي حالة الإذاعي الكبير الأستاذ ماجد الشبل، والأديب الكبير الأستاذ عبد الله نور، والفنان الكبير طلال مداح - رحمهم الله جميعاً -.
ولا يخفى على من يتابع الساحة الأدبية والثقافية والفنية حالة الفنان الكبير الملحن غازي علي خريج «الكونسر فتوار» بالقاهرة 1967م ملحن ومؤدي أغنية «يا كحل العيون يا تراب بلدي فداك يهون دمي وولدي» الذي يفتقد مصدر دخل ثابتاً وسكناً يليق به ووضعه الصحي الذي يحتاج إلى متابعة - شفاه الله وعافاه -، وحالة الفنان الكبير الأستاذ سراج عمر موزع لحن النشيد الوطني «سارعي للمجد والعلياء مجدي لخالق السماء» الذي كتب كلماته الشاعر إبراهيم خفاجي ووضع اللحن الأصلي للسلام الوطني الملحن المصري عبد الرحمن الخطيب 1965م في أثناء زيارة الملك عبد العزيز - رحمه الله - لمصر، وأعاد توزيع اللحن على آلة البوق لاحقاً طارق عبد الحكيم، ثم قام سراج عمر بتوزيعه على الآلات النحاسية ومطابقة الكلمات التي كتبها الخفاجي على اللحن وتم بث النشيد الوطني لأول مرة في اليوم الأول من شوال 1404هـ.
الفنان سراج عمر يعاني الآن من متاعب صحية جمة - شفاه الله - ومن شح في مصدر الرزق وعدم تملك سكن خاص به وبأسرته.
هل يمكن أن يصدّق أحد أن هؤلاء النجوم المبدعين يتكفّل بمعيشتهم أحد أقاربهم من أخ أو أخت أو ابن مثلاً؟!
ورأينا أيضاً قبل فترة ليست ببعيدة عرض الأديب الأستاذ محمد الحمدان مكتبة «قيس» الوثائقية للبيع؛ بسبب ضغوط مالية صعبة، ومكتبة قيس تعنى بتاريخ المملكة وصحفها القديمة ونوادر مؤلفات علمائها وأدبائها، وتمتد عنايتها إلى تاريخ الوطن العربي ومطبوعاته الإعلامية والأدبية النادرة التي جمعها الحمدان من مكتبات المملكة ومصر وتركيا والعراق ولبنان وغيرها.
معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد بن صالح العواد - سلَّمه الله -: من للأدباء والمثقفين - بعد الله - سوى وزارتكم الجليلة، وإن لم تفعل شيئاً يحفظ للمبدعين كرامتهم ويقدّر لهم إبداعهم وفنهم وما بذلوا وقدّموا في سنوات التوهج والعطاء؛ فمن لهم؟!