د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الولايات المتحدة الأمريكية بلد مميز في هذا العصر، فهي تكاد تكون الأولى في كل شيء، فهي أقوى دول العالم عسكريا، وهي أقوى دول العالم اقتصادياً، وهي أكثر دول العالم استهلاك للطاقة، وأكثرها استيرادا لها، وأكثرها إنتاجا لها، وهي أكثر دول العالم إنتاجا للغذاء وأكثرها تصديراً لكثير من المنتجات الزراعية، فهي الأولى في إنتاج القمح، والذرة، والشعير، والبرتقال، والتفاح، وغيرها كثير، وحتى فول الصويا الزيت الأهم في الصين، تنتج منه الولايات المتحدة كمية كبيرة تصدرها للصين، رغم أن استهلاكه في الولايات المتحدة أقل شأناً.
هي الأولى في سلسلة المطاعم المنتشرة في أنحاء العالم، مثل ماكدونالد، وكنتاكي، وبرجر كنج،وغيرها، وحتى البيتزا المشهور بها الايطاليون،كما تتمتع الولايات المتحدة بأسماء منتشرة في العالم، مع كونها الأكثر استهلاكاً في الداخل، ونجد ذلك أيضاً في المشروبات الغازية الطاغية على أذواق الكثير في العالم، مثل كوكاكولا،وببسي كولا،رغم معرفة الناس بضررها، وبما تحويه من كم هائل من السكر.
الولايات المتحدة الأمريكية هي الأكثر تأثيرا في السياسة على مستوى العالم، وهي الأقوى نفوذاً في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والأكثر مساهمة في ميزانياتها، والاكثر متابعة لنشاطاتها، والتأثير عليها، وهي الأبرز في رسم السياسات العالمية، وهي من دفع العالم الى التعاون للحد من الانبعاثات التي يقال إنها تؤثر على طبقة الاوزون، والداعمة لاتفاقية باريس في هذا الشأن، وهي التى رأت الانسحاب منها في الاسبوع الماضي.
لغتها هي اللغة العالمية السائدة التي ينطق بها معظم البشر، وتكتب بها معظم الاتفاقيات، وهي لغة وفدت إليها مع المهاجرين الأوائل فسادت بالولايات المتحدة الأمريكية في هذا العصر،كما هي كانت سائدة فيما مضى في بعض الدول المستعمرة من قبل بريطانيا العظمى آنذاك.
عملتها هي الأقوى في العالم، والاكثر انتشاراً، وبنوكها هي الاقوى، ولا يكاد يتم تحويل في العالم الا وتقطف منه أمريكاً بضع سنتات أو دولارات، فلا بد من المرور عبر بنوكها، ولهذا فالعالم يبحث عن وسيلة أخرى لتجنب ذلك، وظهرت بعض النظريات التي طبق بعضها بين بلدان بعينها،كما ظهرت عملة جديدة تتعامل مع التقنية لكنها ما زالت في مهدها، أو ربما أريد لها أن تكون كذلك.
بعد هذا كله، لعلنا نقف مع الولايات المتحدة الامريكية والتقنية، لنرى أن البون شاسع بينها وبين العالم، فمعظم الشركات المشهورة في مجال الخدمات والتقنية هي من الولايات المتحدة الامريكية،مثل مايكروسفت، ابل، أمازون، جوجل، فيس بوك، فيزا، وغيرها كثير.
نحن نكتب عن ظاهرة واضحة المعالم، ولعل الكثير منا قد يطرح أسئله تتعلق بهذا الشأن كيف لدولة واحدة أن يكون لديها هذه الشركات الاشهر والأعلى قيمة سوقية، والاكثر انتشاراً، والأيسر خدمات من غيرها من الدول، متفرقة ومجتمعة، فليس لدى اوروبا مجتمعة مثل ذلك، وكذلك الصين التي يبلغ عدد سكانها مليارا ونصف المليار، والهند البالغ عدد سكانها مليارا ومائتين مليون، ناهيك عن العالم العربي الذي يزيد سكانه عن أربعمائه مليون نسمة، انه حقا لغز محير؛ فالامريكيون ليسوا في مجملهم أكثر العالم ذكاءاً، أو مثابرة على الانتاج.
ولعلني أصنع جواب ذلك التساؤل،في أن الولايات المتحدة تستقطب النخبة من جميع انحاء العالم للعمل بها، وتجنسهم فيما بعد، فهي تختار زهور العالم لتصنع منها بوتقة هي الأجمل عالمياً في مجال الابداع والاختراع. فالنخبة هم العقول العلمية التي تصنع المعجزات، فأينشتاين العالم الفيزيائي والرياضي المشهور الماني قدم إلى أمريكا فصنع ما صنع، واثنان وخمسون في المائة من أعلى ناسا من شبه الجزيرة الهندية، وأغلب العاملين في مايكروسفت من أقطار العالم الاخرى، ومثلها كثير من الشركات، لاسيما في مجال البرمجيات والتقنية الحديثة.
العقول المبدعة علميا هي الصانعة للمستقبل، أما الشهادات في ذاتها فليست سوى ورقة تعريف، بينما العمل الميداني الحقيقي هو الشهادة الكبرى للفرد.