«الجزيرة» - الرياض:
استعرضت دراسة بحثية قدمت لنيل درجة الماجستير المنهج الذي اتبعته الجماعات والتنظيمات الضالة في استقطاب الشباب للإرهاب وسبل الوقاية من هذا المنهج الضال، ونوقش البحث العلمي المقدم إلى كلية الشريعة قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والذي كان بعنوان (منهج الجماعات الضالة لاستقطاب الشباب للإرهاب وسبل الوقاية منه) للباحث محمد بن عبدالله بن علي العجلان، وحصل فيها على درجة الماجستير بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف وتوصل الباحث من خلال الدراسة إلى تعريف مصطلح الإرهاب وأنه يقصد به العمل على ترويع وإخافة الآمنين من خلال جماعات معينة بذلك لأغراض سياسية أو دينية معينة.
وتأتي هذه الدراسة، ضمن جهود بارزة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وبدعم كبير من معالي مديرها الأستاذ الدكتور سليمان أبا الخيل، ومن خلال العديد من الدراسات والأنشطة الفاعلة من أجل تعزيز مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف وإظهار الوجه الصحيح للدين الإسلامي بهدف حماية الشباب والمجتمع من مثل هذه الآفات والافكار.
وبيّن الباحث، منهج الجماعات الضالة في استقطاب الشباب للإرهاب وذلك في عدة مباحث تحدث فيها بإسهاب، موضحاً تلك الوسائل والأساليب المتبعة لأجل التأثير على الشباب المسلم والقائمة على مجموعة إجراءات عملية يتبعونها في منهجهم العملي، وهذه الإجراءات قوامها فكرة العمل على ترسيخ أصولهم ومبادئهم؛ لأجل الوصول بالشباب المسلم إلى هاوية الهالك الفكري، فالأساليب التي تتخذها هذه الجماعات الضالة، منها ما يعود إلى الجانب الفكري المعنوي، ومنها ما يعود إلى الجانب الواقعي المادي، ثم بين معنى الجماعات الضالة كمصطلح مركب يُتداول في العصر الحاضر بأنه عبارة عن تلك المجموعات والتنظيمات التي تنتهج العنف فكريا وسلوكيا وعمليا في استقطاب الشباب للإرهاب، وهذا الاستقطاب قائم على التنظيم باتباع خطط وإرشادات لتلبية حاجات ومتطلبات المجندين وذلك لتمرير تلك الأفكار والآراء الضالة، والفئة العمرية المستهدفة في هذا الاستقطاب هي الشباب لما تتميز به هذه المرحلة من الحيوية، والقدرة على التعلم، ومرونة العلاقات الإنسانية، وتحمل المسؤولية، وقد استخدمت تلك الجماعات والمنظمات الضالة منهجا قائم على الآتي:
1 - التشكيك بمصادر التلقي الصحيحة سواء كان من حيث الأخذ ببعض مصادر التلقي على غير الوجه المطلوب وذلك بطريقين أحدهما إيجاد طريقة في فهم القرآن غير طريقة الصحابة والتشكيك في السنة المخالفة لظاهر القرآن وإن كانت متواترة والآخر ترك بعض المصادر الكلية، وعدم الاعتداد بحجيتها.
2 - الانحراف في مفهوم الجهاد والولاية وعلاقة المسلمين بغيرهم، ومن أعظم الانحرافات الموجودة لدى الجماعات الضالة انحرافهم في مفهوم الولاية ولا شك أنه من أعظم المفاهيم الإسلامية والذي اهتم الشرع الحنيف بالتأكيد على وجوب طاعة ولي الأمر في غير معصية الله، ومن أخطر الانحرافات مخالفة ذلك لما يترتب عليه من مفاسد على المستوى المجتمعي العام.
ويمكن إجمال ذلك فيما يلي:
عدم اعتدادهم واعتبارهم لشرعية ولاية الحكام المسلمين في أمور الجهاد، وبناءً على هذه النظرة لولاة الأمر فإنه لا يجب استئذان ولي الأمر للجهاد تحت رايته غير وارد عندهم لعدم وجود ولي الأمر الشرعي أو لعدم أهليته للاستئذان، وذلك بحسب نظرتهم الضالة للحكام.
3 - الطعن بالعلماء حديثاً، ويتمثل في تأليف الكتب في الطعن والتشكيك بالعلماء الربانيين الراسخين، ومحاولة إظهار شذوذهم الفكري، والترويج له بشتى السبل، ورد ما يقوله العلماء من الحق، والسعي إلى إيجاد هوة بين شباب الأمة وعلمائها.
4 - التهييج العاطفي في جر الشباب إلى انحرافاتهم الفكرية، فإذا اجتمعت لدى هؤلاء الشباب الغيورين على دينهم العاطفة مع الجهل تولد لديهم التكفير والتفجير والعنف والتخريب.
5 - توظيف المشكلات والأزمات في المجتمعات الإسلامية لاستقطاب الشباب المسلم سواء كانت تلك الأزمات دينية تتمثل في عدم الوعي الديني من قبل الشباب، وخلل في منهج التلقي، وتهميش دور العلماء في المجتمعات الإسلامية، وعدم إعطائهم مكانتهم اللائقة بهم، والغلو، أو سياسية تتمثل في البعد عن تحكيم شريعة الله، والإحباط السياسي، وتحكيم القوانين الوضعية في مناحي الحياة كافة، وإهمال الرعية أو التقصير في أمورهم وما يصلح أحوالهم، أو اقتصادية تتمثل في عدم العدل والتمييز ضد الفقراء، وعدم إتاحة الفرص للأقليات والمهاجرين هي التي قد تكون بؤرا للإرهاب، وإلى العولمة بأنها ساهمت في تفشي ظاهرة الإرهاب.
وأشار الباحث إلى الجانب الآخر من بحثه والذي يتمثل في سبيل الوقاية من استقطاب الشباب للإرهاب وذلك بالتعريف بمصادر التلقي الصحيحة في القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس، وكيفية التعامل مع تلك المصادر وتوجيه الشباب نحو منهج الوسطية والاعتدال، الذي هو سمة لأهل السنة والجماعة فيما بين التشديد المفرط والتيسير غير المنضبط، وبيان أن هذه الوسطية في الشريعة شاملة في أحكامها وفقهها ومقاصدها فهي وسط في المصالح والمفاسد، كما ينبغي أن يكون الخطاب الشبابي سواء في المحاضرات أو البحوث أو المقالات العلمية بعيدا عن التشديد والغلظة، والتفريق بين الواقع والتنظير بعيدا عن الخيالات الواسعة والأحلام المزيفة.
كما يقرر الباحث ضرورة تنبيه الشباب أن من القواعد المقررة في الخطاب الشبابي بأنه ليس لكل أحد أن يقتحم الحكم على كل الأشياء، بل تترك المهمات العظيمة لأهلها.
ويشير الباحث أيضا إلى ضبط المفاهيم الشرعية الملتبسة لدى الشباب حول مفهوم الجهاد والولاية وعلاقة المسلمين بغيرهم وأن الجهاد لم يكن لغرض الاعتداء، أو إراقة الدماء، وإنما فرضه الله تعالى لإعلاء كلمته، ونصرة المظلومين، ورد العدوان، وحفظ الإسلام.
وكذلك من سبل الوقاية من المناهج الضالة تعزيز الروابط الاجتماعية, وأشار الباحث أيضا إلى المنهج الصحيح في التعامل مع القضايا وذكر قضية التكفير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأوصى الباحث بتوحيد الجهود كافة التي تستهدف محاربة الإرهاب تحت مظلة الذراع الفكرية لتحالف الشمال (مركز مكافحة الإرهاب) حيث إن الترابط بين المخاطر المحلية المتعلقة بالأمن الوطني واستقطاب الشباب متصلة بشكل واضح وجلي بتنظيمات استخباراتية خارجية تنشط في بؤر الصراع وتستثمر أحدث التقنيات وأساليب الإغواء ومثل هذه الجهود لا يمكن أن تواجه بفاعلية إلا من خلال عمل شمولي موحد وتكثيف الوعي حول قضايا الشباب الفكرية، والسعي على نشرها داخل أوساط الشباب سواء في المدارس أو الجامعات من خلال نشر الكتب الوسطية، أو إقامة المؤتمرات والندوات العلمية.