عبده الأسمري
عاش مسكوناً بالتراث الجداوي مفتوناً بالميراث الحجازي.. يمتلك اتجاهات معرفة وواجهات مشرفة في التاريخ وعلم النفس والاجتماع والأدب والصحافة والتأليف.
إنه الأديب والكاتب والصحافي محمد صادق دياب - رحمه الله - ابن جدة البار وسليل الحجاز السار الذي ترك سيرة مضيئة بالإشعاع والإمتاع والإبداع.
بوجه جداوي أصيل وملامح نبيلة هادئة تعكسها نظرات رحيمة ناطقة من وراء عدسات نظارة ترافقه حلاً وترحالاً تغطي عينين تعتمران لمعة تنطلق في اتجاهات أفقية وجانبية، تنم عن ذكاء وبعد نظر وصوت جهوري يرتكز على معجم لغوي شعبي بلهجة جداوية عميقة ودقيقة في جلسات الأصدقاء وحديث أدبي فصيح في مجالس المثقفين تخالجه نبرات وعبرات واعتبارات في آفاق البساطة والعمل والعلم يطل عاشق جدة الأصيل وسادن تراثها وخازن الأصالة الحجازية محمد دياب أحد أبرز وجوه الأدب وواجهات الصحافة وقامات العمل الثقافي المتخصص. تلقى دياب تعليمه العام بجدة ونال بكالوريوس التربية وعلم النفس من جامعة أم القرى ثم حصل على الماجستير في علم النفس التربوي من جامعة ويسكنسن الأمريكية عام 1976 فدكتوراة علم الاجتماع عام 2009.
بعد أن أكمل دياب تعليمه في أمريكا، عمل معلماً في معاهد إعداد المعلمين بجدة في الفترة من 1390هـ - 1400هـ، ثم عمل بكلية المعلمين بمكة المكرمة، ثم موجهاً ورئيساً لقسم توجيه الطلاب وإرشادهم بتعليم المنطقة الغربية 1401هـ حتى تقاعد مبكراً في العام عام 1414.
امتهن دياب العمل الصحفي الذي أحبه حيث رأس قسم المحليات بصحيفة المدينة، ثم أشرف على ملحق الأربعاء بالصحيفة ذاتها ثم رأس القسم الثقافي بجريدة البلاد ثم تعين مديراً لتحرير مجلة سيدتي بالسعودية فرئيساً لتحرير مجلة اقرأ في عام 1418هـ، ثم انتقل مديراً لتحرير لمجلة الجديدة في عام 1420هـ، بعدها عين رئيساً لتحرير مجلة الحج في عام 2005 مع كتابته اليومية عموده في صحيفة الشرق الأوسط.
في باب شريف ومكة وشارع الذهب رسم دياب خريطة إِنسانية للبساطة خطها بقلبه قبل قلمه باحثاً عن سر البسطاء وجهر الأدباء ممن حولوا أزقة مدينة جدة القديمة إلى محافل أدب وتاريخ ثقافة. واقفاً ينظر إلى رواشين حارة الشام والمظلوم محتفلاً بجامع الشافعي وبيت نصيف وعبق الأوفياء ورائحة الطيبين في منازل البلد راصداً رحلة التاريخ على منصات الميناء العتيق وفي ذاكرة نسيم الحارات العتيقة.
صال دياب وجال في جدة بين وسطها العتيق المعتق برائحة النبل وأهازيج البحارة وأناشيد الباعة.. فكان عمدتها الثقافي وعميدها الأدبي المتوج في قلوب الساكنين والعابرين والماكثين محولاً لهجاتها إلى مشهد بانورامي مبلوراً أمثالها إلى معلم سديمي وثقها بروحه ليقدمها «مهراً « لمحبوبته التي لامس وجدانها الباحث عن الأصالة فكان عريسها المتوج الذي ترك روحه ركناً بشرياً مرتبطاً بالمدينة مكاناً وإِنساناً.
عاش دياب وهو يستقصي الحقائق من تواصيف البساطة وتضاعيف الكفاح وسكنات الوجوه وروائح البن الأصيل من مقاهي الأسواق الشعبية ورقصات المزمار في احتفالات البيوت الشعبية، موظفاً الإِنسان في قصة المكان شغوفاً بالوجه التاريخي والواجهة التراثية والمحفل الإِنساني في حياة الجداويين.
اقتسم دياب أبو البنات روحه مع أسرته الصَّغيرة المكونة من زوجته التي رافقته 40 عاماً والتي قال عنها إنها وقود كفاحه وعهود نجاحه متشرفاً بأنه (أبو البنات) غنوة وسوسن وسماح.
برع دياب في التأليف المركب وألف كتب المفردات العامية بمدينة جدة. وامرأة وفنجان قهوة وجدة التاريخ والحياة الاجتماعية وساعة الحائط تدق مرتين (مجموعة قصصية) و16 حكاية في الحارة والأمثال العامية في الحجاز ومقام حجاز (رواية) نشرت قبل وفاته بشهر. وبضع ساعات في يوم ما والخواجة يني ووري جثمان الفقيد دياب يوم الجمعة الرابع من جمادى الأولى عام 1432هـ في مقبرة حواء قريباً من تلك الأماكن التي ارتبط بها وجدانياً وإِنسانياً بعد وفاته في لندن على أثر مرض السرطان، وبكاه آلاف المشيعين ممن عاش في ذاكرتهم وعاشوا في اهتمامه متعايشين مع إِنسانيته وروحه وقربه واقترابه من الجميع مخلداً في ذاكرة جدة تحديداً الارتباط الروحي والترابط الوجداني بين المدينة والإِنسان وبين العشق الإِنساني والحب المكاني.