كوثر الأربش
بعيدًا عن محتوى الفن الذي قدمه، لم يكن يشبه أحدًا، وأنا متأكدة أنه لم يحاول مطلقًا.. لأنه من ذلك الجيل الذي احتفظت كل ذاتٍ بفرادتها، لم تصنع منهم العولمة نسخًا، ولم يقرؤوا كتب تطوير الذات ليكونوا مؤثرين.. قوة الفرادة هي من صنعت منهم نجومًا..
رحل صاحب أقوى حضور على الشاشة والمسرح، ليس خليجيًا وحسب، بل عربيًا أيضًا.. خيم الحزن على كل شيء.. لم يكن رحيله عاديًا على القلوب، بل مؤلمًا، خانقًا وحابسًا للكلام. ما هو مصدر قوة تأثر حسين عبد الرضا؟ الجواب لن يستدعي الكثير من البحث والتحليل. ببساطة، لقد كان رجلاً طبيعيًا"طبيعي" بمفهومها الخالص والنقي. أعني أنه لم يكن بحاجة لاتباع الخطوط العريضة للتأثير، تلك التي حقنها محللو الاجتماع في ذراع العالم.
ما لا يفهمه إنسان هذا الجيل، أنه لا يوجد خطة ثابتة تتبعها لتصبح مؤثرًا وقويًا، أشبك أصابعك أمامك، انظر مباشرة في المثلث ما بين العينين والأنف مباشرة، لا تحك عينك أو رأسك لئلا تبدو مزيفًا، امش بخطوطات واسعة ومستقيمة، كل تلك الوصايا التي جعلت من مشاهير هذا الجيل نسخًا مملة من بعضهم. قوة فرسان الماضي في تباينهم، في مساحة الحماية للفرادات الشخصية التي جعلت من حسين حسين، ومريم الغضبان مريم، وعلي المفيدي، عائشة إبراهيم، غانم الصالح وكل هؤلاء الذين لا يشبهون بعضًا. لم يحتج أي منهم أن ينقص محيط خصره، أو يصوب عينيه مباشرة للكاميرا، أو يضغط على الحروف حين ينطقها، أو يخفي عيوبه بالأقنعة الزائفة. إنهم محتفون بكل ما يميزهم، لتغة، حور عين، ربكة، بحة. كل تلك الأشياء التي تعتبر اليوم عيوبا، هي في ذاتها جوهر الفرادة. لهذا كانوا أقوياء، لأنه لا مثال خلفهم يحاولون التشبه به. القوة تنبع من أرواحهم، و"قوة الروح تظهر من العينين" كما قال باولو كويلو في روايته الخيميائي. يمكنك أن تتدرب عمرك كله على تثبيت عينيك في وجه من أمامك، الشاشة أو الجمهور أو المرأة، كما تلقنك كتب تطوير الذات، لكن إن لم تمتلك قوة الروح ستبقى ضعيفًا، بلا تأثير، بلا وقع. ستزول سريعًا من الذاكرة. لهذا حينما يغيب أحد مشاهير هذا الوقت، ينُسى بأسرع مما يجب لأنه نسخة، وسيأتي بعدة نسخ. يرتدي نفس الساعة، نفس النظارة، ويمكنه تثبيت عينيه في المثلث ما بين العينين والأنف! (بالمناسبة، حسين عبدالرضا لا يحدق في شيء حين يتحدث، حتى في وجه امرأة جميلة، دقق جيدًا على نظراته، ستجدها تهيم مثل حمامة مهاجرة).
المهم، أن أصحاب الأرواح القوية هم النادرون، وقد رحل رجل نادر، لن يعوض بسهولة، بل لن يعوض مطلقًا. لأنه كلما ولد شخص فريد، أسرعنا لهدم ذاته وبناء تكوين أجوف ومكرر. علي كاكولي، ممثل شاب، شاهدته للمرة الأولى في مسلسل ليلة عيد، عام 2010، كان قويًا، القوة الطبيعية، غير المتكلفة. قلتُ في نفسي: هذا الشاب ليس نسخة، هناك شيء ما به فريد ولامع يشع من عينيه. ثم نسيته.. لأنني لست متابعة دائمة للدراما. شاهدته مجدداً، بعد ذلك بسنوات، لقد نجح التلفزيون والإخراج وكتاب السيناريو والجمهور أن يصعنوا منه نسخة. أين ذهب ذلك البريق النادر في عينيه؟ الندرة التي رحلت، رحلت مع فرسانها. وكان فارس فرسانها، رحل هذا الصباح.