عبدالعزيز السماري
لم يختلف المشهد منذ عقود، فالصراع الطائفي هو السائد، وهو المحرك الأول للصراع الأيديولوجي والسياسي، ويسهم في ذلك وجود قوى طائفية تحكم دولاً، وتسيطر على قراراتها السياسية، ويظهر ذلك بوضوح في إيران ولبنان وسوريا..
يساعد في ذلك الموقف الغربي المتناقض من أزمة سوريا، فالقوى الغربية تحالفت من أجل طرد متطرفي القوى المحسوبة على تيار السنة، لكنها تغض النظر عن القوى الشيعية التي دخلت سوريا من الدول المجاورة لمساندة النظام وقتل المعارضين من مختلف الفئات.
لهذه الأسباب تواجه الدول السنية المعتدلة أزمة في حربها ضد الإرهاب، والتي وصلت إلى مرحلة الحزم ضد من يحرض أو ينشر أفكار الكراهية والطائفية، بل دخلت في صراعات من أجل إعلان البراءة من دماء الإرهاب الديني.
هي مواقف تدل على توجه مدني للمرحلة القادمة في الدول السنية المعتدلة، وقد تُسن القوانين التي تمنع نشر الأفكار التي تحرض على العنف، لكن لا يمكن أن ينجح هذا المسعى في ظل سياسة غض النظر عن الجانب الآخر، والتي وصلت إلى أن يكون لحزب ديني سلطة أعلى من الحكومة في لبنان، وأن يكون جيش الحزب أكثر عتاداً من جيش الدولة..
في ناحية أخرى تمارس الدولة الصهيونية شتى وسائل العنف ضد الفلسطينيين، ولا تحترم حكومتها المتطرفة قرارات مجلس الأمن، ومع ذلك تحظى برعاية غربية، ويتعهد كل رئيس أمريكي منتخب بحمايتها، وأن أمنها جزء من الأمن الإستراتيجي لأمريكا..
لهذه العوامل على وجه التحديد، تواجه مساعي الدول العربية المعتدلة تحديات خطيرة، فالانحياز في الموقف، وسياسة غض النظر تُضعف من مواقفها في حربها ضد التطرف والعنف، وقد تؤدي إلى فشلها ما لم تتحد المفاهيم حول تعريف التطرف والعنف..
مثلما تتم محاصرة ومحاربة الجماعات المتطرفة في الجانب السني، على التحالف الدولي أن يُخضع الأحزاب الشيعية المتطرفة والمحسوبة على إيران بالتوقف عن التدخل في سياسات الدول الأخرى، وأن تلتزم الدولة في العراق ولبنان بجيش موحد يمثل الجميع..
كذلك تظل إسرائيل المحرض الأهم للعنف والتطرف في المنطقة، فقد مارست مختلف أنواع العنف ضد الأبرياء العزل خلال تاريخها منذ تأسيسها على الأرض العربية، ولا زالت تقوم بجرائم ضد سكان الأرض الأصليين، ومع ذلك يصمت العالم الحر - كما يدعي - ضد جرائم الدولة العبرية..
سياسة غض النظر أهم أسباب التمرد على القوانين الدولية، وإذا لم تلتزم الدول الراعية لهذه القوانين بمعايير الأخلاق والإنصاف وحقوق الإنسان، فلن تصل المنطقة إلى بر الأمان، وستظل قابلة للانفجار..
الرأي الآخر والمحتمل حول سياسة غض النظر أن القوى العالمية يريدون المنطقة أن تكون على هذه الحال، على أن تستمر في دوائر العنف والطائفية، وذلك من أجل الوصول إلى مرحلة الدويلات الطائفية الصغيرة في المنطقة، وبذلك تنتهي القضية الفلسطينية إلى الأبد..