عماد المديفر
قد يكون خافياً على العامة أن خيانات قطر، ليس لأشقائها من دول المنطقة فحسب، بل وللعالم أجمع.. مهددة بذلك الأمن والسلم الدوليين، لم يكن وليد السنوات الأخيرة..! بل هي سلسلة من الخيانات الممنهجة ابتدأت منذ العام 1988م.. إلا أن الإعلام الخليجي والعربي ظل صامتاً عن تلك التصرفات الخبيثة طيلة تلك الفترة، أو بالأحرى مكمماً عن تناولها.. بداعي محاولات الاحتواء وتصحيح المسار ولملمة الصف العربي والخليجي.. ما تسبب في حالة من ضعف الوعي تجاه جرائم القيادات القطرية.. أما اليوم؛ وفي زمن الحزم والعزم، وبعد أن استنفدت الدوحة كل الفرص التي منحت لها للتراجع عن سياساتها الإجرامية والعدائية، فلم يعد هناك من أمل بعودتها لجادة الصواب؛ كان لا بد من إظهار الحقائق أمام الرأي العام.. والذي أعتقد أنه تأخر كثيراً.
ورغم أن الدوحة بدأت في خياناتها بشكل منظور منذ العام 1988م.. إلا أن الريبة بدأت تتسلل إلى مسؤولي وقيادات دول مجلس التعاون تجاه سياسات وتحركات قطر بعيد الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت الشقيقة، وتجلى ذلك من خلال موقف حمد بن خليفة - الذي كان حينها يحتل منصب ولي عهد أمير قطر- مع بدء أعمال الجلسة المغلقة لقادة دول المجلس في القمة الخليجية الحادية عشرة المقامة في الدوحة، إذ سعى «حمد بن خليفة» إلى إعاقة اتخاذ القادة لقرار المواجهة العسكرية الموحدة ضد القوات المحتلة للكويت، وتعطيل القرار الناص على أن أي اعتداء على أية دولة من دول المجلس يعد اعتداء على الدول الست مجتمعة..
وقد كشف الأستاذ القدير عبدالرحمن الراشد -والذي كان حينها حاضراً بصفته الإعلامية- في سلسلة مقالات تاريخية مهمة نشرتها صحيفة الشرق الأوسط الأسبوع الماضي، ما دار خلف الأبواب المغلقة.. وكيف خرج الملك فهد -عليه رحمة الله- من الاجتماع غاضباً ولم يكمله وهو يلقي باللائمة على الشيخ «خليفة آل ثاني» بأن سمح لابنه «حمد» أن يعمل على إخراج جدول أعمال الاجتماع الطارئ عن مساره، ويقوم بمساومة جبانة ووضيعة يسعى من خلالها بكل قبح وخسة ودناءة إلى الابتزاز في قضية مصيرية حيوية عليا لا تقبل التردد أو التأخر أو التخاذل، ألا وهي قضية الوقوف صفاً واحداً مع الكويت، ونصرتها، وتحرير أراضيها من العدوان الغاشم.
لقد ساوم المنتفخ الشره الصغير -حينها- «حمد بن خليفة» أعمامه قادة دول مجلس التعاون على ألا تناقش قضية «غزو الكويت» إلا بعد أن تتنازل البحرين عن «جزر حوار» إلى قطر.. وهي الجزر التي من المعروف بالأساس أنها تتبع البحرين، إلا أن قطر بسعيٍ من حمد بن خليفة، حاولت الاعتداء على سيادة جارتها البحرين من خلال ادعاءاتها الواهية بتبعيتها لها، فما كان من قادة دول المجلس إلا أن دفعوا إلى دعوة الطرفين إلى التحكيم الدولي، وهو الحل السلمي والقانوني.. والذي حكم فيما بعد وفق الأدلة والحجج الموثقة بتبعية حوار لمملكة البحرين.. أقول إن هذا الموقف كان بمثابة قرع لناقوس الخطر. تلاه عملية انقلاب «حمد بن خليفة» على والده، وطرده له.. فأصبح الشيخ «خليفة آل ثاني» -والد حمد، وجد تميم- مشرداً هنا وهناك لسنين طويلة، غير أن دول مجلس التعاون لم يرضها ذلك، فأقام -يرحمه الله- معززا مكرماً فيها، وبضيافتها.. وبعد أن أعياه المرض واشتد به، وبلغ من الكبر عتياً، وبعد وساطات خليجية؛ سمح له ابنه العاق «حمد» بالعودة إلى الدوحة قبيل وفاته بأشهر معدودة -يرحمه الله-، وما أن حطت قدماه الدوحة - التي يسميها الإرهابيون «كعبة المضيوم»- وقد بلغ به الضيم والأسى مبلغهما، حتى خارت قواه.. وانتشر في جسده الهزال والمرض، لم يرحمه ابنه حمد.. ولا أحفاده منه بما فيهم «تميم» هذا.. إذ حبسوه وأهانوه في منزله.. ووضعوه رهن الإقامة الجبرية.. ومنعوا زيارته أو حتى الاتصال به، وكأنه في سجن مؤبد حتى توفاه الله.. عليه رحمة الله.
كانت هذه فقط؛ مجرد ثلاثة مواقف ظاهرة خبيثة من «حمد بن خليفة» الذي يسميه «تميم» أمير قطر الحالي بـ
«الأمير الوالد» - على أساس أن تميم هذا هو «الأمير الولد»-، لكن الواقع أن خيانات حمد بن خليفة وحمد بن جبر في تلك المرحلة لم تتوقف عند هذا الحد.. إذ بدأت المعلومات والتقارير الأمنية والاستخبارية تنهمر على قادة دول المجلس بأن تحركات مريبة ما بدأت تتكشف.. وفي مقدمها علاقات تنظيم الحمدين بنظام الملالي في طهران، وحرسه الثوري التي ابتدأت كما أسلفت منذ العام 1988م.. وعلاقاته بتنظيم حزب الله الإرهابي.. وعلاقاته بتنظيم القاعدة في أفغانستان.. وعلاقاته بإسرائيل وحماس.. وعلاقاته بحركة «الشباب المؤمن» الإرهابية -التي تسمى الآن «أنصار الله» الحوثيون-.. بل وتعدى هذا الأمر إلى أن تكشفت علاقات مباشرة بين تنظيم الحمدين وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.. حتى أن قادة من القاعدة في السعودية كالإرهابي المغربي الهالك «المجاطي».. دخلوا المملكة بجوازات سفر قطرية.. كما تكشفت صلات قطر برموز ما يسمى بـ»مشايخ ودعاة الصحوة الإسلامية» داخل المملكة، والذين رأيناهم «يبشرون» بـ»قدوم الخلافة الإسلامية» مع بداية أحداث الشر العربي والمسماة زوراً بـ«الربيع العربي»، تماماً كما «بشروا» سابقاً بـ»سقوط الدول» في التسعينيات.. فخيب الله أولهم وآخرهم، ورأيناهم اليوم ذليلين يتلبسون بلبوس «الوطنية» نفاقاً ولوذاً عن الحساب..
وليس ذلك فحسب؛ إذ تكشف عملا دعائيا واستخباراتيا وإعلاميا منظما يقوم به تنظيم الحمدين لاستهداف الداخل السعودي تحديدا، بتشجيع التطرف ونشر الإرهاب والطائفية، وربطها كذباً وخبثاً وزوراً بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وبهذه البلاد الطيبة المباركة.. وحليفهم في ذلك التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وعرابه في المملكة «التنظيم السروري».
ومن الحقائق والمعلومات التي وصلت مثلاً أن وزير الأوقاف الأسبق ووزير الداخلية القطري السابق عبدالله بن خالد بن حمد آل ثاني، كان يتردد كثيرا على طهران منذ العام 1992، وأنه تربطه علاقات شخصية قوية مع قيادات في الحرس الثوري الإيراني، وقيادات في تنظيم القاعدة الإرهابي في أفغانستان.. وقيادات حوثية شمال اليمن.. بل وثبت دعم قطر بمئات الملايين من الدولارات لهذه التنظيمات الإرهابية بما فيها حزب الله والقاعدة. ومن المعلومات أن قطر دعمت المشروع النووي الإيراني، بل وعمل مندوبها بخبث ضد إدانة مجلس الأمن للمشروع حين كانت قطر عضواً غير دائم في مجلس الأمن في العامين 2006، 2007: بل وصوتت أو امتنعت ضد قرارات مجلس الأمن التي تدين المشروع النووي الإيراني بما فيها القرار رقم 1696، وكذلك فعل مندوبها ضد قرار مجلس الأمن رقم 1757 القاضي بإنشاء محكمة دولية للتحقيق في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الشهيد رفيق الحريري.. وما دورها في قضية تضليل العدالة، والترويج لتمثيلية المخابرات السورية الشهيرة بـ»أبو عدس» إلا حلقة من سلسلة جرائمها وتورطها في دعم الإرهاب. إلى اللقاء.