«الجزيرة» - الاقتصاد:
اتفق مختصون في قطاع العقار على تنامي ظاهرة «البناء الفردي» في المجتمع بنسبة تفوق الـ85 في المائة، واصفين هذه النسبة بـ«المقلقة جداً» وأنها تحتاج إلى وقفة صارمة من الدولة، مدعمة ببرامج توعية وتثقيف، تستهدف المواطنين، لإقناعهم بضرورة الاعتماد على التطوير العقاري المؤسسي، بدلاً من قيام المواطنين ببناء منازلهم عن طريق اتفاق كل واحد منهم مع مقاول بناء، واعتماد متطلبات كود البناء السعودي، للحد من الظاهرة وتأثيرها السلبي، المتمثل في انهيار قيمة العقارات، فضلاً عن الخسائر التي تطال الاقتصاد السعودي. ودعا المختصون إلى إيجاد حلول للقضاء على الظاهرة، التي وصفوها بالمغامرة غير المحسوبة، مشددين على أهمية أن تبادر الجهات المسؤولة بوضع آلية تحقق أعلى معايير الجودة في بناء المساكن، لتحافظ على القيمة المضافة لها، وتضمن في الوقت نفسه إيجاد أحياء سكنية نموذجية، تجتذب الناس للعيش والاستثمار العقاري فيها.
ودعا المختصون الى تصفية قائمة المطورين العقاريين، والإبقاء على أصحاب الخبرة والسجل العملي المشرف، القادرين على مساعدة المواطنين على بناء وتطوير منازل ذات جودة عالية تعزز قيمة العقار، مع استبعاد الدخلاء على المهنة.
سلبيات متعددة
عزا المستشار العقاري علي الحميدي تراجع قيمة بعض المساكن في المملكة، إلى سيطرة التطوير الفردي الضعيف على حساب التطوير المؤسسي. ويقول: هذه الظاهرة تشهد تنامياً كبيراً في المجتمع السعودي، رغم التحذيرات من سلبياتها الخطيرة، بيد أن بعض المواطنين يعتقدون أن قيامهم بعمل التطوير العقاري لمنازلهم، والاتفاق مع العمال والفنيين وشراء مواد البناء، سيوفر عليهم قيمة ما سيتقاضاه المطور العقاري المحترف، وتكون النتيجة في نهاية الأمر بناء منازل ذات جودة رديئة، لا تخلو من العيوب الفنية والشكلية، التي تقلل من قيمة المنزل عند إعادة بيعه أو رهنه لدى مؤسسات التمويل العقاري».
ويتابع: الظاهرة موجودة في المجتمع بنسبة لا تقل عن 85 في المائة وهي راسخة في الأذهان، ولا بد من محاربتها بشتى الوسائل، خاصة أنها تعد مغامرة غير محسوبة العواقب على المواطن الطامح في أن يحافظ على القيمة المادية لمنزل العمر، ويجنبه انهيار هذه القيمة مع مرور الزمن». ويضيف: النماذج لانهيار قيمة المنازل لرداءتها كثيرة، ونراها أمامنا كل يوم، متسائلاً «ماذا تضيف الأرض المرتفعة الثمن إلى منزل يعاني من عيوب في التصميم الداخلي والخارجي، وفي آلية البناء والتشطيبات؟».
محاصرة الظاهرة
ويؤيد المستشار العقاري محمد الغامدي المستشار الحميدي، ويقول: إقدام بعض المواطنين على تطوير المنازل بأنفسهم، معتقدين أن لديهم الخبرة والعلاقات التي يمتلكها المطور العقاري صاحب المؤسسة، خطأ يدفع المواطن ثمنه والقطاع العقاري بأكمله». ويضيف: لا بد من محاصرة الظاهرة، وما أفرزته من عقارات تجارية، لا تتمتع بأي معايير فنية منضبطة، تعلي من قيمتها المادية، لأنها ذات جودة رديئة، داعياً وزارة الإسكان إلى وضع حزمة معايير فنية للتحقق من جودة العقارات، سواءً على المشاريع التي تنفذها الوزارة ضمن مشاريع الدعم السكني، أو على مشاريع القطاع الخاص، وقد ذكر وزير الإسكان بأن المنتجات الإسكانية، تنقصها الجودة من الناحية الهندسية، وأكد على أهمية إيجاد آليات لإشراك المهندسين السعوديين في الإشراف على بناء المساكن في ظل استحواذ التطوير العقاري الفردي على القطاع، مع تراجع التطوير العقاري المؤسسي، الأمر الذي سبّب ضعفاً وهدراً في مجال البناء».
كود البناء
ويلخص المحاضر بكلية العمارة والتخطيط في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل المهندس محمد المحمدي عيوب البناء الذاتي في قوله: «للبناء الذاتي عيوب كثيرة وخطيرة، تطال مستوى جودة المسكن وتكلفة بنائه أيضاً، فعندما يتم الاتفاق مع مقاول غير مؤهل وليس لديه خبرة، فهو يتجاهل التشييد وفقا لـ»كود البناء» والذي هو عبارة عن قواعد واشتراطات والتزامات تضمن إيجاد منتج عقاري نموذجي، ذي عمر افتراضي طويل، وبمواصفات فنية تضمن سلامة توصيلات الصرف الصحي وتوصيلات المياه، وتوصيلات الكهرباء، كما تضمن جودة العزل الحراري وبالتالي يقلل من هدر الطاقة ويمنع التسريبات، وكل هذه الاشتراطات يعلمها المطور العقاري صاحب الخبرة والدراية، أما في حال البناء الفردي، فإن المنزل سيفتقد كل هذه الأمور، وتظهر فيه العيوب التي يصعب علاجها في المستقبل. ويضيف: المطور العقاري صاحب الخبرة يستطيع استغلال كل مساحة البناء بشكل جيد، لأن عمله تحت إشراف مهندسين استشاريين، كما سيحد من الهدر في مواد البناء، وهذا يؤدي لتكاليف أقل في نهاية الأمر، فالمطور بحكم عمله ببناء وحدات بأعداد كثيرة سيشتري المواد بالجملة وذات جودة عالية، بعكس البناء الذاتي والعشوائي الذي لا يراعى كل هذه الأمور، فيسفر الأمر عن منازل لا تخلو من عيوب هيكلية في المبنى، وأخرى في السباكة والتكييف والكهرباء والصرف الصحي وتصريف الأمطار، وتلف المسكن بشكل عام، مما يتطلب صيانة مستمرة وبكلفة عالية، خصوصاً عند سقوط الأمطار».
وذكر المهندس المحمدي أنه يجب على من يتولى البناء الإلمام بأنظمة البناء التي تمنح من الجهات المانحة للتصاريح مثل البلديات، التي تتحمل أعباء البناء العشوائي إلى الآن من تعديات وارصفة ومخالفات بناء ومظلات، أما ما نجده عند المطور العقاري الالتزام بالمخطط الهندسي الرئيس وعدم الاجتهاد، ويوجد لديهم خطط مبنية على دراسات مسبقة لطبيعة المنطقة المراد البناء فيها وطبيعة مناخها وتربتها.
أحياء عشوائية
من جهته حذّر المهندس أحمد علاء حسن من أن توجه بعض المواطنين إلى البناء الفردي يؤثر على جمال الأحياء، وعلى سمعتها العقارية، ويقول: تجاهل اشتراطات كود البناء يجعل المساكن رديئة ومتهالكة، وذات قيمة متدنية في حال عرضها للبيع، وبمرور الزمن تتحول الأحياء التي ينتشر فيها البناء الفردي إلى أحياء متهالكة ومهجورة وتصبح وكأنها أحياء عشوائية تنخفض قيمة أراضيها ومساكنها، حتى لو كانت تقع في وسط المدن. وأضاف: يجب أن نعالج أخطاء الماضي فيما يخص البناء العشوائي أو الفردي، وذلك عبر حث المواطنين بالتعاقد مع مطور عقاري معتمد»، موضحاً أن البناء الفردي انتشر في السابق بين بعض الموطنين الذين وجدوا دعماً بالحصول على قروض الصندوق العقاري، في الوقت نفسه، لم تكن هناك برامج لتطوير الأحياء الحضرية المتكاملة، لتعزيز الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والثقافية والترفيهية والأمنية، للمحافظة على الخصوصية، وحصدنا سلبيات هذه العشوائية بإيجاد أحياء سكنية متكاملة رديئة ومنخفضة الأسعار، تنتشر فيها العمالة المخالفة، وتعاني من التلوث السمعي والبصري، تشكل تهديداً للأمن والحياة الاجتماعية، والأمثلة على ذلك كثيرة ومعروفة».