أحمد بن عبدالرحمن الجبير
الاستثمار في الوطن والمواطن يمثّل إحدى أهم دعائم النهضة الاقتصادية السعودية التي أقرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- والعجز في الأرقام لا يعني ضعفاً في الاقتصاد، ويمكن معالجته عن طريق الاقتراض من البنوك المحلية والسحب من الاحتياطي العام لأننا نمتلك موارد عدة، ومهمة ويمكننا التعويل عليها مستقبلاً من خلال السياسات، والدراسات الاستراتيجية الضخمة للرؤية السعودية 2030م.
وفي المؤتمر الصحفي الأحد الماضي تحدث وكلاء وزارة المالية المؤهلين عن نهج جديد وتطور إيجابي للميزانية أمام أنظار الجميع، وأصبحت الشفافية نبراساً لهم، وأكثر وضوح مما كانت عليه في العهد السابق، وقال الشباب كلمتهم التي أثلجت صدورنا جميعا ككتاب اقتصاديين، وصحافة وإعلام، ومواطنين وأنه لا مجال للعمل دون اعتماد الوضوح والصدق، والشفافية في كل أعمال الميزانية.
وقدم شباب المالية الأكفاء الآلية الجديدة للميزانية السعودية وفق معايير مهنية وعلمية حديثة، وأعلنوا عن إيرادات الميزانية بمبلغ 163.9 مليار ريال في الربع الثاني من عام 2017م بارتفاع 6 في المائة مقارنة بالربع الثاني 2016م، وأكدوا على نمو الإيرادات، وتحسن كفاءة الإنفاق، وأن المصروفات هذا العام 210.42 مليار ريال منخفضة بنسبة 1.3 في المائة عن العام الماضي، وبلغ عجز النصف الأول من عام 2017م 72 مليار ريال.
وهذا يعطينا أدلة واضحة وكاملة عن تطبيق الوزارة لمعايير الشفافية، والإفصاح المالي في إطار الأهداف الاستراتيجية المرسومة لرؤية السعودية 2030م، فالنتائج المتحققة تؤكد أن الميزانية تسير في المسار الصحيح، وتتسم بالتوازن، فقد انخفض العجز خلال النصف الأول من عام 2017م بنسبة 51 في المائة مقارنة بالعام الماضي، فيما ارتفع الدين إلى 341 مليار ريال والذي تم تغطيته بإصدار الصكوك المحلية، والدولية بنجاح، وبلغت قيمة الإيرادات غير النفطية 62.9 مليار ريال، والإيرادات النفطية 100.9 مليار ريال.
وتشير الأرقام الإيجابية التي أعلن عنها وكلاء المالية في المؤتمر الصحفي إلى إصلاحات إيجابية، واقتصادية متميزة قامت بها الوزارة، وتم خلالها إصدار ميزانية نصف سنوية لأول مرة في تاريخ المالية، والمؤمل أن يكون هناك إصدار ميزانية ربع سنوية للسنوات المقبلة لتحسين الأداء والشفافية، ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي ومراقبته، وإيجاد المزيد من الإيرادات غير النفطية من خلال تطبيق الرؤية السعودية 2030م، التي يقودها بكل اقتدار سمو ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-.
ورغم العجز في الميزانية نتيجة هبوط أسعار النفط، وتكاليف الحرب في الحد الجنوبي إلا أننا بحاجة ماسة لنتجاوز هذه التحديات التي نعيشها، فالمملكة قادرة على تجاوز هذه الصعاب والمشاكل -بحمد الله وفضله-، فقد آن الأوان للاستثمار في الشركات الصناعية العملاقة القادرة على بناء اقتصاد سعودي متين وقوي، قادر على الاستمرار والنمو والابتكار، وتوفير فرص العمل للمواطنين.
فالشركات العملاقة تبني اقتصاد الدول، وتوطن التقنية، وتجلب المال والعملات الصعبة، وتساهم في الناتج المحلي، وتمويل ميزانيات الدولة، فيفترض أن تركز ميزانية 2017م على دعم جميع القطاعات الأكثر فائدة للوطن والمواطن، وبناء الإنسان السعودي، ولذا يجب السعي إلى ضرورة تنويع مصادر الاقتصاد غير النفطية، وجعل المملكة دولة صناعية رائدة في جميع المجالات.
وما يلفت الانتباه أن الثقافة الاستهلاكية هي أمر سائد لدى الجميع المواطن والمسؤول، وهذا يتطلب ترشيداً في الاستهلاك قبل أن نصدم بمتطلبات المستقبل بزيادة عدد السكان، والبطالة وارتفاع الأسعار الحاد، وتآكل الدخول ومخاطر الاقتراض غير الإنتاجي، حيث إن التفكير في المستقبل ليس مهمة الدولة فقط، بل مهمة المؤسسات الخاصة والمدنية، والخبراء والمستشارين، وصنّاع الرأي مما يدفعنا إلى تعزيز المشاركة الجادة مع القطاع الخاص.
كما أن تصحيح الأوضاع الاقتصادية ليس أمراً سهلاً، ولا يمكن ترك أمورنا دون تخطيط فالسنوات التي مضت لم نوظف فيها الوفر بشكل ناجح، وبعضه ذهب هدراً في مشروعات غير إنتاجية، والمشروعات التي تمت ليست بمواصفات عالية إلا القليل منها، لأنها لم تركز على الإنتاج، والصناعة والاستثمار، وعليه جاءت الرؤية السعودية 2030م، والتي تركز على تنويع مصادر الدخل، والخصخصة والاستثمار في الاحتياطي.
لذا يجب علينا كمواطنين أن ندرك أن إصلاح الاقتصاد الوطني يفرض علينا مرحلة جديدة من التحديات، مما يجعلنا نصنع مستقبلاً للمواطن السعودي، حيث إن كل هذه الإجراءات والسياسات الاقتصادية، والتقشفية سوف تحمينا من مخاطر وتقلبات الاقتصاد العالمي -بإذن الله- في ضوء المتغيرات الإقليمية والعالمية، والتي تتطلب منا مزيدًا من الصبر والتحمل، والتعاون فيما بيننا لبناء اقتصاد وطني قوي، ومتين وفقا للرؤية السعودية2030م.
فتوجيهات خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- تنص على الاهتمام بالمواطن، والاستماع لشكواه، وعمل حلول عاجلة لتوطين الوظائف والتضخم، وغلاء الأسعار والبطالة والإسكان، والخدمات الصحية، وترشيد استهلاك الماء، والكهرباء والطاقة، وهذا يتطلب منا مزيدًا من الشفافية والمسؤولية، ومكافحة الفساد، ومحاسبة الفاسدين، وتفعيل دور نزاهة، ومجلس الشورى في مراقبة المال العام، والصرف على المشروعات، والتعيينات في المناصب.