سلمان بن محمد العُمري
من القرارات الطيبة التي تؤكد اهتمام ولاة الأمر -حفظهم الله- على استقرار الأسرة، والمحافظة على كرامتها وحمايتها من التشتت والضياع، وحماية المطلقة والمعلقة وأبنائها من إهمال بعض الآباء وظلمهم وإلجائهم للعوز وطلب المساعدة من الغير بل وتعريضهم للمهانة وأحياناً الابتزاز من ضعاف النفوس، ولتوفير حياة كريمة مستقرة لهم، قرر مجلس الوزراء قبل أسبوعين، وفي اجتماعه برئاسة نائب الملك، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، الموافقة على تنظيم صندوق النفقة للمطلقات والأبناء، ويرتبط مباشرة بوزير العدل.
وستكون للصندوق شخصية اعتبارية وميزانية مستقلة، كما يكون مقره في وزارة العدل، ومن المقرر أن يتولى صندوق النفقة عددًا من المهمات، ومنها صرف النفقة لمن صدر له حكم قضائي باستحقاقها ولم ينفذ لغير عذر الإعسار، وصرفها لمن صدر له أمر قضائي بها ولا تزال مطالبته بها منظورة أمام المحكمة، وذلك وفقاً للإجراءات التي تحددها اللائحة، وبحسب قرار مجلس الوزراء سيكون للصندوق مجلس إدارة برئاسة وزير العدل وعضوية كل من ممثلين من وزارات العدل، والمالية، والعمل والتنمية الاجتماعية، وثلاثة أعضاء من القطاع الخاص ممن لهم اهتمام بمجال عمل الصندوق يرشحهم رئيس المجلس ويصدر بتعيينهم قرار من مجلس الوزراء.
وقد أوضح معالي وزير العدل الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني أن الموافقة الكريمة تؤكد نهج حكومة خادم الحرمين الشريفين في رعاية المحتاجين، والوقوف إلى جانبهم، بما يعزز الاستقرار الأُسري، ويعزز من الآليات الخاصة بالحماية الاجتماعية للأسرة، وأن توجيهات القيادة الرشيدة تشدد على ضرورة حماية هذه الفئات في الأوقات التي لا تزال تنظر فيها مطالباتهم أمام المحاكم، أو الأوقات التي تعذر فيها تنفيذ الأحكام الصادرة لهم باستحقاقها، ولفت معاليه إلى أنه من المقرر أن يتولى الصندوق الصرف على المستحقين للنفقة في الحالات التالية: الأولى تتعلق بمن صدر له حكم قضائي باستحقاقها ولم ينفذ لغير عذر الإعسار، والثانية من صدر له أمر قضائي بالنفقة ولا تزال مطالبته بها منظورة أمام المحكمة، والثالثة من يحدد مجلس إدارة الصندوق صرف نفقة مؤقتة لها. وسيتعين على الزوج المحكوم عليه بالنفقة سداد المبلغ المحكوم به عليه، والذي سبق أن دفعه الصندوق نيابة عنه.
وسيكون لصندوق النفقة موارد مالية رئيسة، منها الأموال التي تُسهم بها الدولة كإعانة، والتبرعات والمنح والهبات والوصايا والأوقاف، وأي موارد أخرى يقرر مجلس إدارة الصندوق قبولها بما لا يخالف الأنظمة والتعليمات، وهذا التنوع من شأنه ضمان استدامة الصندوق لخدمة أكبر عدد ممكن من الحالات التي تستدعي الدعم، وعدم الاعتماد فقط في ذلك الصدد على الدعم الحكومي. ويهدف الصندوق إلى تفعيل الدور المؤسسي الاجتماعي، وإنشاء صندوق نفقة مستدام يُسهم في تحسين جودة المعيشة وضمان العيش الكريم للمرأة، خصوصًا أن عدم توفير الدعم المادي اللازم للأم وأولادها خلال فترة التقاضي في حالات الطلاق سيؤثر على قدرة الأم في تأمين لقمة العيش الكريم وملجأ للعائلة في حال عدم حصول المرأة على الدعم اللازم من أهلها أو أفراد عائلتها.
هذه أبرز ملامح الصندوق وأهدافه، وهو مما يحسب لوزارة العدل ووزيرها الشاب النشط الذي يعمل بصمت ويترجم توجيهات القيادة الرشيدة. وكنت قد طالبت في دراسة علمية ميدانية قبل أكثر من عشر سنوات بعنوان «ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي» بإنشاء صندوق للمطلقات وتدريبهن مهنياً وتحويلهن إلى عنصر منتج وليس اتكالياً يعتمد على الإعانات فقط، ويتم إنشاء فصول للتدريب المهني للمطلقات، والاهتمام بأسر المطلقات من حيث توفير سبل العيش الكريم لهن ولأبنائهن، إلى جانب إنشاء صندوق تأمين اجتماعي لأطفال ونساء الأسر المفككة، وقيام الضمان الاجتماعي بتأسيس صندوق طوارئ لتقديم مساعدات عاجلة للمطلقات. وغير ذلك من النتائج والتوصيات التي خرجت بها الدراسة المعنية بالطلاق في المملكة.
لقد كفل الشرع الحنيف الحقوق للناس ونظمها، ومن ذلك ما يتعلق بالنفقات والحضانة وغير ذلك سواء قبل الطلاق أو بعده، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت»، ولكن بعض الرجال -هداهم الله- يتعمد الإضرار بالزوجة والأبناء وعدم النفقة عليهم انتقاماً وكيداً بهم، وهو يعلم أن النفقة عليهم واجبة سواءً أكانت الزوجة معلقة، أو أنه طلقها طلاقاً بائناً بقيت فالنفقة في حق الأولاد عليه، فإن أنفقت أمهم على أبنائها جاز لها مطالبته بكل ما أنفقته عليهم.
لقد كان تعامل القضاة في مثل هذه الحالات متبايناً، فمنهم من كان ينصف المرأة والأولاد ويكتب للجهات المختصة بسرعة تنفيذ أمر صرف النفقة واستقطاعه من حسابه ومرتبه، ومنهم من يساير المماطلين في مطلهم وتتردد المرأة المطالبة بحقها وحق أولادها في النفقة أشهراً بل سنوات ولا تخرج بشيء رغم صدور الصك.
إن قرار صندوق النفقة قرار مرتقب ويتبقى تفعيله بأسرع وقت ودون تأخير ليحقق أهدافه وينصف الفئة المستضعفة من النساء والأولاد من بعض الظلمة، والله الهادي لسواء السبيل.