أ.د.عبد الرحمن بن ابراهيم الشاعر
يعد التوجه الملموس من قبل القيادة في هذا الوطن المعطاء نحو تجسيد التراث ووضعه ضمن أهداف الرؤية، ومنها ما صدر من أوامر ملكية كريمة تمثلت في بوابة الدرعية وهيئة العلا وناديي الإبل والصقور وما سبق ذلك من اهتمامات تمثلت في هيئة الترفيه، حراكًا ثقافيًّا في وقت كانت القناعات تؤدي الدور الأكبر في تحديد الاتجاهات المجتمعية نحو الوطنية في ظل بعض العوائق البيئية والثقافية والنفسية، ومحاولة نزع الريبة تجاه موجة التغيير بتحسين الظروف التي تؤدي إلى رفع مستوى البعد الثقافي والاجتماعي.
إن اختيار الأفكار المرتبطة بموضوع الوحدة الوطنية يعتمد على مدى صلتها بأبعاد ومنطلقات التغيير، وهذا يتم من خلال توظيف المؤسسات التعليمية والثقافية السلوك المدخلي والبعد عن الاعتقاد بأن الأفكار التي سبق لهم معرفتها، والأفكار التي لا ترتبط بثقافتهم أفكار غير مهمة. وهذا يعني أن الفترة الزمنية المطلوبة في التغير مرتبطة في المقام الأول بتراث الأمة وأصالتها وارتباطها بالتوجه للمعرفة الحديثة وعدم استبعاد الأفكار التطويرية؛ لكونها مطلوبة لنمو وتطور مجتمعهم وجعله مجتمعًا فاعلاً وقادرًا على تحقيق توازن عادل بين مفاهيم الولاء والانتماء للوطن.
إن الفكر الذي يحدث التوافق الاجتماعي في المجتمع، بما يعنيه من علاقة بين الفكر الثقافي والتغير الاجتماعي يحدث التحول في البناء الاجتماعي مع العناية بالقيم والثوابت وقواعد الضبط الاجتماعي والولاء والانتماء. وهنا يصبح الوصول إلى صياغة فكرية لتعزيز الوحدة الوطنية وفق متطلبات التغير ضروريًّا نتيجة تطور أنظمة التكيف مع البيئة والواقع الاجتماعي.
إن مفهوم الوحدة الوطنية له أبعاد عدة، منها الأساسي، ومنها المكمل، ولعل من أبرز تلك الأبعاد البعد الديني والبعد الاجتماعي والبعد الدولي أو السياسي. كما أن مسألة الوحدة الوطنية مسألة إستراتيجية، مفادها تفهم حقيقة المواطنة، وبلوغ هذه الإستراتيجية مطلبٌ أساسيٌ لتحقيق أمن المجتمع؛ لذا كان لابد من وضوح للرؤية الإستراتيجية التي يجب أن تصاغ وفقها مفردات القيم المعززة للوحدة الوطنية، كما أن الرؤية والإستراتيجية لابد أن تكونا شاملتين البعد الديني والاجتماعي والسياسي. إن وضوح الرؤية والإستراتيجية لمقومات تحقيق أهداف الوحدة الوطنية يعتمدان على تحديد مقومات ومفاهيم الوحدة الوطنية، وبتحليل تلك المفاهيم نجد أنها منطلق أساسي للوحدة الوطنية إذا ما أعدت من قبل متخصصين في المجالات التي تمثل أبعاد الوحدة الوطنية وهُيئت لها الظروف المناسبة وآليات تنفيذ فعالة ومتدرجة وفق مراحل الإدراك الإنساني.
إن حصيلة من المفاهيم والحقائق والقيم الوطنية المدعمة بأدوات ونظم طرحها واستيعابها تقدم في صيغة أنشطة ثقافية وتعليمية وترفيهية وتظهر نتائجها على المدى الطويل، كما أن أي مجتمع يتعرض للتغير يواجه العديد من الاتجاهات التي ترى بنسب متفاوتة أهمية النظر في القيم والتقاليد والأنماط السلوكية والتوجهات نحو الولاء والانتماء للوطن؛ لذا يعول على الرؤية في بلوغ مراحل إدراك العمق المعرفي لحقائق المواطنة متدرجة في العمق، وأن طرحها بتسلسل موضوعي منطقي من بدايتها أدعى إلى ترسيخها في أذهان النشء. والحقيقة التي يجب أن نخلص إليها هي أن تعزيز الوحدة الوطنية بحاجة إلى مفاهيم واضحة، فإذا كانت أفكار النشء المستهدف ثرية بتلك المفاهيم محاطة بسياح المعرفة الحقة عن الوطن والمواطنة، فإنه يرجى من ذلك ظهور مجتمع من أهم سماته السلم والتسامح، والترابط الأسري والاجتماعي، والتفاعل الدولي وفهم الآخر والاعتزاز بالوطن والذود عنه.
إن المتعمق في فهم التراث الوطني يدرك أننا في وطن يتمتع بالعمق الثقافي والسمة التراثية التي تجعل من هذا الوطن حاضنًا للتآلف والتسامح والتعايش في ظل قيادة حكيمة ترتبط بشعبها بعلاقات ودّ تجاوزت العديد من المعايير الدولية لمفهوم الولاء والانتماء، أدام الله علينا نعمة الإسلام ونعمة التلاقي والتوافق بين القائد وشعبه.