د. أحمد الفراج
تحدثنا عن قصة العنصرية في أمريكا، وكيف أنّ لها تاريخاً عريقاً، وعن الجهود التي قام بها اثنان من أفضل رؤساء أمريكا لتحرير السود، وأعني هنا الرئيس التاريخي، ابراهام لينكولن، الذي قاد حرباً لتحرير السود، في عام 1860، وانتصر فيها، وهو كان تحريراً منقوصاً، إذ تم تحرير السود من العبودية، ولكنهم ظلوا، ولمدة قرن كامل، مواطنين من الدرجة الثانية، تحت قوانين فصل عنصري صارمة، حتى جاء الرئيس، جون كينيدي، في عام 1960، وبدأ مشروع قانون المساواة، الذي صدر في عهد خلفه، الرئيس ليندون جانسون، بعد اغتيال الأول بسنوات، ورغم ذلك، لم تنته العنصرية، فهي تطفو على السطح، ثم تخف حدتها، تبعاً للأحداث الجارية، وغني عن القول إن الحراك العنصري عاد بقوة، بعد انتخاب الرئيس الأسود، باراك أوباما، وزادت حدته، بعد انتخاب الرئيس، دونالد ترمب!.
القصة بدأت في مدينة شارلتزفيل العريقة، بولاية فرجينيا، العريقة أيضاً، فمن هذه الولاية، اشتعلت الشرارة الأولى للثورة الأمريكية، قبل أكثر من قرنين، وهي الثورة التي انتهت بتأسيس واحدة من أقوى الإمبراطوريات التي عرفها التاريخ، والتي لا تزال تحكم هذا العالم حتى اليوم، كما أن هذه الولاية هي المكان الذي عاش فيه واحد من أهم رؤساء أمريكا، وأبرز مفكريها، الرئيس الثالث، توماس جيفرسون ( 1801-1809)، فقبل أيام، تظاهرت مجموعة من العنصريين البيض، بهدف جمع كلمة اليمين المتطرف، وكان واضحاً من الشعارات التي رددوها أنهم في حالة احتقان تام، إذ رددوا شعارات تطالب بطرد السود واليهود من أمريكا، ودعوا إلى استخدام العنف، ثم خرجت مظاهرة مضادة لهم، وحدث احتكاك عنيف بين الطرفين، ثم وصل الأمر ذروته باقتحام متظاهر عنصري بسيارته لصفوف المعارضين للمظاهرة العنصرية، وهم متظاهرون مسالمون، وانتهى الحادث بمقتل سيدة، وإصابة العشرات، فأصبحت حديث الإعلام والشارع الأمريكي.
الإعلام الأمريكي، الخصم الشرس لترمب، طلب منه شجب ما حدث، فخرج الرئيس ترمب، وصرح بأنه يشجب العنف أياً كان مصدره، كما قال بأن سلوك متظاهري مدينة شارتزفيل لا يمثلون القيم الأمريكية، وحينها هجم عليه الإعلام ، متهماً إياه بأنه لا يجرؤ على شجب حركات اليمين المتطرف بالاسم، مثل منظمة الكلو كلس كلان، وهذا اتهام ضمني لترمب بأنه عنصري، وبعد يومين، خرج ترمب في مؤتمر صحفي، وشجب حركات اليمين المتطرف بالاسم، تماماً كما طلب الإعلام، ولكن الإعلام اتهمه هذه المرة بأنه تأخر بفعل ذلك!!، وكان الأولى أن يفعله في اليوم الأول !، ويبدو أن ذلك أغضب ترمب، ومعه الحق في ذلك، فخرج للمرة الثالثة، وأعاد تصريحه الأول، أي شجب كل الأطراف، اليمين المتطرف ومن تظاهر ضدهم ، ولا يراودني شك في أن ترمب، وهو العنيد بطبعه، استقصد أن يستفز الإعلام، بعد وصوله إلى قناعة بأنّ الإعلام سيهاجمه مهما فعل، وهذا بالفعل هو الواقع، ومع الاحتقان الذي تشهده الساحة الأمريكية حالياً، يلزم أن نطرح سؤالين هامين، الأول يتعلق بعلاقة ترمب باليمين المتطرف، والثاني يتعلق بالاتهامات التي يوجهها إعلام أمريكا «المنحاز ضد ترمب « بأنه شخص عنصري، وسيكون هذا موضوع مقالنا القادم!.