د. حمزة السالم
كثيرًا ما يجري على ألسنتنا الاستشهاد بالعقل والمنطق، والحقائق المثبتة. فنصف فلانًا بأنه عقلاني وفلانًا منطقي، وحجة منطقية. ونقول: هذه حقيقة أو هذه ثوابت.
وباختزال للفرق بين العقل والمنطق، فلو قلنا مثلاً: إن العقل هو وسيلة سبر وتجميع للمتشابه وتسجيل للملاحظات المُشاهدة. وهو وسيلة اختيار معادلة فكرية مناسبة لها. وهو وسيلة تنزيل مشاهداته على مجاهيل المعادلة. وقلنا: إن المنطق كالمعادلة الرياضية ذات مجاهيل، تُصب في المجاهيل، المعلومات والشواهد، فتعجنها، فتخرج النتيجة. وقد تكون النتيجة باطلة أو وقتية أو أبدية. فعلى مقدار أبديتها تكون حقيقتها. ولعل هذا تفسير المقولة القائلة: «إن الحقيقة نسبية».
فالخطأ والتفويت في إجراءات العملية الفكرية يؤثر بعضها على بعض. فالخطأ في الفعل السابق، كفعل اختيار الشواهد، يلزم منه وجوبًا خطأ ما بعده. وما بعده يعود على ما قبله فيؤثر في تصور العقل في اختياره للشواهد، فيختار الخطأ ويفوت الصحيح.
- ولو سلم العقل من أي تفويت للشواهد، فقد يُخطئ في تنزيلها في منازلها في المعادلة المنطقية. أو في اختيار المعادلة المنطقية المناسبة لما للشواهد. فهذا عندما تجد أحدنا رجلاً فيقول: هذا أعوج المنطق أو معاند. وأما من يضع منطقًا مقلوبًا أو يضع معادلة فكرية ينقلب بعضها على بعض ثم يخرج بنتيجتها ويعتقد بأنها الحقيقة، فهو ممن يُرفع عنه القلم في الشرع وفي القانون الغربي، لفقدانه الأهلية على التفكير. كبعض ردود الأطفال مثلاً وتفسيراتهم لأمور يرونها، ولكن طريقة تنزيلها أو منطقها تثبت عجزهم عن تحمل مسؤوليات تصرفاتهم.
- وبما أن الشواهد في الكون لا حد لها، وبينها علاقات لا تظهر إلا بعد تدقيق نظر، فالعقل في أي مسألة ينظر فيها، حتمًا لن يسلم من تضييع شاردة أو متخفية من الشواهد هنا وذهول عن علاقة بين شاهدين، هناك. فالحقيقة في عالم الحس يندر وجودها، رغم ثبات المنطق وأبديته، ما دامت فطرة الإِنسان. فالمنطق فطرة في الإِنسان، لا يتغير بتغير المعطيات، ولكن النتيجة تتغير أو تتبدل بتغير وتبدل المعطيات.
- والمعادلة الرياضية في الفكر الإِنساني، أي المنطق، هي فطرة قدرة الإنسان على التفكير، ولذا فهي معادلات بسيطة، ولكنها شمولية. ولهذا لا تختلف الناس في قدراتهم المنطقية عمومًا، فكل شخص يُميز المنطق الصحيح. إنما اللبس يكون ببتر المعادلة أو بخطأ الاختيار المناسب للمعادلة أو معطياتها أو في صحة تنزيلها. ولهذا لم يحتاج الإنسان للرياضيات المعقدة ليتجاوز مقدرته الطبيعة على كسب الضروريات. فالمنطق الذي يستخدمه الإنسان بلا رياضيات، وعاش عليه دهورًا وعصورًا، هو منطق بسيط لا يصعب على أحد فهمه.
- ولهذا يعترف الناس بالطرح المنطقي، ولا يستطيعون إنكاره أو جحوده، ولو لم يتقبلوا نتيجته كبرًا وبطرًا أو لشدة تشعب وتوغل الموروث المخالف في قلوبهم، ولتعلق أحلامهم وأحلام آبائهم به. ولذا تراهم يحيدون عنه، بمحاجة أسوأ منطقًا أو بما لا علاقة له.
والشواهد والأمثلة على ما سبق في دور العقل والمنطق والنتيجة، تراها عند التأمل في كل شيء تعرفه تقريبًا، فلا يُعدم المثال والتدليل. ولهذا فالتمثيل التطبيقي على تنظير اليوم، سيكون شاملاً وواضحًا. ومجال المقال يضيق عن التمثيل.
وختامًا: فإن العقل لا يُترك بغير عقال ولا خطام في اختياراته للشواهد والمعطيات. ولهذا، فنتيجة المنطق لا تُعتبر إلا بعد عرضها على اختبارات وفحوص كثيرة، حتى ولو صحت الشواهد وصح تنزيلها. لذا فاختبارات النتيجة تكون بعد العملية الفكرية، وأما ضوابط العقل فيجب أن توضع قبل العملية الفكرية، وتفصيل هذا لا يتسع له المقال اليوم.