خالد بن حمد المالك
فوجئ النظام القطري بالتوجيه الملكي الكريم بشأن أزمة حجاج قطر، وأسقط بيده ما كان محل تخطيط لديه، وبدا مرتبكاً أمام دوي المفاجأة، ولم يسعفه الوقت في الساعات الأولى من صدور التوجيه الأميري في افتعال الأسباب لاستمرار منع المواطنين القطريين في أداء فريضة الحج، والإمعان في تسييس هذه القضية بعد أن ضُيق الخناق على الدور القطري في إيواء ودعم الإرهاب والتطرف والتحريض والتدخل في شؤون الدول. غير أن النظام القطري الذي اعتاد أن يستلهم الأفكار والممارسات والحيل من إيران، صحا أخيراً ليجد الأخيرة جاهزة لإمداده بما يلبي رغبته، ويستجيب لطموحاته في إيذاء جيرانه، حتى ولو كان ذلك على حساب المواطنين القطريين.
* *
فالنظام عبر أبواقه السياسية والإعلامية ما إن صحا على قرارات الملك سلمان التي لم تترك له فرصة للالتفاف عليها، أو مجالاً لإفشالها، حتى بدأ يمرر بخجل ما وصل إليه من أفكار إيرانية لا تظهر حسن النية والقبول لدى المواطنين القطريين، ودون أن يفطن النظام إلى أنها تزيد من إدانته، وتؤكد على عزلته، وترسخ في بقائه منبوذاً من مجتمعه الخليجي والعربي، بينما كان الأولى أن يكون تجاوبه وتفاعله مصحوباً بالترحيب والشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين من خلال بيان يصدر من أمير دولة قطر شخصياً، وليس من أي جهة أخرى، فالتوجيه الملكي في التعامل مع منع النظام القطري للحجاج القطريين من أداء شعيرة الحج بأسباب وحجج واهية، كان تعاملاً استثنائياً وراقياً، كما هي عادة خادم الحرمين الشريفين في مواقفه الإنسانية والعاطفية، وتجاوبه بالحكمة وبعد النظر مع أهم القضايا التي يعدها البعض قضايا شائكة.
* *
ومع أنه لا زال من المبكر حصر ردود الأفعال السلبية لنظام قطر من قرار الملك سلمان، أمام هذا الاختراق الجميل لعدم منع الحجاج القطريين من أداء فريضة الحج، فإن ما قيل حتى الآن على لسان أبواق النظام، وعبّرت عنه على أنه رأيها، فيما أن المتابعين، ومن لهم إلمام بخفايا الأمور يدركون أنها ردود أفعال لنظام تميم، وإن اختفى النظام وراء هؤلاء (وتمترس) بهذه القوى المعادية لقطر ولدولنا الخليجية، ما يفتح أمامنا الفرصة لحوار جديد حول إشكالية السياسة القطرية، والخوف من أن تقود قطر إلى ما هو أسوأ، وذلك ضمن تشريح تقتضيه التطورات لحالة النظام الذي يتجاهل الحقيقة والواقع، ويدعي في خداع مكشوف أن ما يقال عن تخبط النظام غير صحيح، وأنه مؤامرة على النظام المتهالك في قطر.
* *
خادم الحرمين الشريفين لم يكتف بفتح أجواء المملكة لعبور الحجاج القطريين إلى مكة المكرمة، ولكنه - وعلى حسابه الخاص - أمر بأن يكونوا جميعاً على ضيافته، وأن يتم نقلهم عبر جسر جوي سعودي مجاناً بين الدوحة ومطارات جدة والمدينة المنورة والدمام والأحساء، وفتح معبر سلوى لمن يرغب من الحجاج أن يكون سفره براً دون حاجة إلى تصاريح، وتقديم كل التسهيلات بما يجعل من رحلة القطريين إلى الأماكن المقدسة رحلة إيمانية مريحة وآمنة، ولا يصاحبها تعب أو إرهاق، أو تكاليف مالية، وهذا لم يأت لأن القطريين غير قادرين على تحمل نفقات الحج، ولكنه من باب اهتمام الملك سلمان بالمواطن القطري الذي لا علاقة له بالسياسات والخلافات بين النظام القطري والمملكة وبقية الدول العربية والخليجية، والتأكيد على أن افتعال النظام القطري بمنعه للحجاج القطريين بأسباب ومبررات واهية، إنما يكشفها هذا التوجيه الملكي الكريم، ويعريها على حقيقتها.
* *
غير أن ما يسمى بحقوق الإنسان في قطر تعاملت مع هذه الأريحية الملكية بالقول إن هذا القرار لا زال يكتنفه الغموض، وإنها ترفض إخضاع الحج للوساطات والحسابات السياسية، مدعية بأن هناك عراقيل واجهت إجراء حج القطريين هذا العام، مع أن مثل هذا الكلام الرخيص لا ينسجم مع إجماع الناس على أن الحجاج القطريين في قلب سلمان، ولا يستقيم بيان ما يسمى بحقوق الإنسان القطرية، مع السماح للقطريين بالدخول إلى المملكة براً دون حاجة إلى أي تصريح، وهو بالتأكيد سيكون موضع سخرية لكل من اطلع على الأمر الملكي الذي نص على نقل الحجاج القطريين مباشرة يكون على الطائرات السعودية مجاناً إلى مطارات المملكة، واعتبارهم ضيوفاً على خادم الحرمين الشريفين شخصياً وعلى نفقته الخاصة. غير أن هذه الإملاءات التي قد يكون مصدرها إيران وهي العدو المشترك، لا تأخذ صفة القيمة الاعتبارية والقانونية والأخلاقية أمام الحقائق الدامغة التي نص عليها توجيه الملك سلمان بن عبدالعزيز.
* *
وكان من ضمن التعامل الإعلامي القطري مع هذه المبادرة الملكية، ما اعتبروا أن الشيخ عبدالله آل ثاني ليس ذي صفة حتى يتوسط في موضوع مواطنيه القطريين، وكأن الشيخ عبدالله ليس من ضمن الأسرة المالكة في قطر وأنه من أهم رموزها والمؤثرين فيها، وكأن الحكم لم يغتصب من هذا الجناح الذي ينتسب إليه الشيخ عبدالله لصالح الجناح الحاكم حالياً، وكأن باب الوساطات محصور بما توافق عليه إيران وتنفذه قطر من خلال نظام الشيخ تميم، بينما ترى قيادة المملكة وكل العقلاء في العالم، بل وديننا وتربيتنا على أن باب الوساطات مفتوح ومحبب، ولا يمكن إغلاقه أو حصره في شخص أو فئة أو دولة، ولا في جعل الوساطات مرتبطة بالرضا والاستحسان من طهران، على أن العبرة والأهمية في وساطة الشيخ عبدالله آل ثاني تتحدث عنها النتائج التي أسفرت عنها.
* *
والمؤسف أن يأتي وزير خارجية دولة قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني فيدعي بأن الإجراءات السعودية الأخيرة لتسهيل حج القطريين -التي أمر بها الملك سلمان- لها دوافع سياسية، ومآرب أخرى، وكأن النظام القطري ليس هو من سيس هذه القضية بمنعه الحجاج القطريين من السفر إلى الأماكن المقدسة، وكأن مبادرة المملكة ليست لفك حصار النظام القطري للحجاج القطريين، وتمكينهم من أداء فريضة الحج، بما يفسر لنا أن نظام تميم وجد نفسه في ورطة أو مأزق، ولم يكن أمامه مع هذه الضربة الموجعة للنظام، المتمثلة بما وجه به خادم الحرمين الشريفين، إلا أن يطلق أبواقه لمواجهة هذا الاختراق السعودي الناجح لقضية منع الحجاج القطريين من أداء الحج.
* *
هناك ردود فعل أخرى فيها بصمة إيرانية واضحة، فعبدالله العذبه مثلاً يتجاهل وساطة الشيخ عبدالله آل ثاني ونتائجها، ويتساءل في خبث ولؤم: لماذا لم تقدر المملكة وساطة أمير دولة الكويت؟ مع أنه يعرف أنها قدرتها عام 2013م ثم عام 2014م ونجحت في إلزام أمير قطر بتعهد أعلنت مؤخراً تفاصيله، وأن الرياض لم تطالب نظام قطر في عام 2017م بأكثر مما وقع عليه أمير دولة قطر الشيخ تميم في العامين السابقين المشار إليهما، وقبلت بوساطة الشيخ صباح من جديد على أساس تخلي نظام تميم عن دعم الإرهاب وإيواء الإرهابيين، وبشرط ألا ينكث وعده، وأن يلتزم بما يوقع عليه، غير أن قطر لم تقبل بوساطة أمير دولة الكويت وأفشلت مهمته، وأمام نظام قطر الآن بعد مبادرة الملك سلمان فرصة لإنجاح وساطة سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، بأن يعلن الشيخ تميم عن قبول الطلبات الثلاثة عشر، مع الضمانات اللازمة لعدم تكراره عدم الالتزام بما يتم الاتفاق عليه، وهنا تنتهي عزلة قطر، وتعود دولة بسيادة كاملة بعيداً عن الهيمنة الإيرانية والتركية والإسرائيلية والقوى المعادية الأخرى، ومتناغمة في سياساتها مع دول مجلس التعاون، لا مع إيران والمنظمات والكيانات والأفراد المعادين لدولنا.
* *
في نهاية مقال اليوم، وضمن الردود غير المباشرة على التوجيه الملكي الكريم، قال أحد أساتذة العلوم السياسية في جامعة قطر، إن أكثر من ثلاثة ملايين مواطن ومقيم بايعوا من جديد الشيخ تميم أميراً لدولة قطر، وأنا أسأل: كم عدد سكان قطر من قطريين ومقيمين عرباً أو عجماً؟ وهل يصل العدد إلى هذا الرقم؟ أم أنه أضيف إلى التصويت محبون لقطر غير قطريين ولا يقيمون في قطر؟ وكيف تم التصويت؟ وما هي الآلية التي تم بها الانتخاب؟ وما دواعي توقيت المبايعة الآن وليس قبل ذلك؟ أم أن هذا الكلام يندرج ضمن أكاذيب النظام في قطر الذي يتولى ترويجها مقاولون محليون وأحياناً أجانب للهروب من المسؤولية وتجنب اتهامه بالإرهاب؟.