ناصر الصِرامي
ليس حواراً واحداً، لكنه متعدد الأطراف، متشعب جداً، و مكرر و متكرر كثيراً جداً في الوقت ذاته، وسيتكرر باستمرار وفي الكثير من الأوقات. حوار أثق أن غالبيتنا بشكل أو بآخر مررنا به وبنفس الشك والسؤال، وأن علامات الاستفهام والتعجب رفرفت حولنا وفي مراحل متفاوتة وظروف مختلفة بلاشك.
فى مواجهات الحياة وظروفها المختلفة، سنمرُّ ب»أفراد»، أو ربما في مواجهتهم- ، «أشخاص» يملكون من الأنانية -مثلا- ما يجعلهم يشعرون أنهم أكبر من المرحلة و ليسوا في حاجة لأحد، وأكبر من الحال أو المنصب، أوالبلاد بكاملها!.
قد يسأل البعض ذات السؤال مع الشعور بالإحباط أو الانكسار، أو بشيء من الظلم، بل وحتى لمجرد البحث والتقصى، او حالة الانحسار!
ليس خطبة هذا المقال، ليس قصيدة مدح مطلقة، وليست أغنية وطنية، ورغم أن كل تلك الأشياء مستحقة، لكن هنا حوارات وأفكارا على صيغة مقال !
هل الوطن بلا ثمن ...؟!، أم هو الثمن ؟! هل تحتاج الوطنية لدافع معنوي أو مادي لتظهر على السطح وفى المواقف أيضا ؟!
من الملفت اليوم، وخصوصاً مع شبكات وتطبيقات التواصل الاجتماعي أن تجد غالبية المصطفين والمتخذين مواقف ثابتة لا تتزحزح، الصامدين والعاملين في كل موقف وقصة وحدث ومرحلة مع وطنهم، هم أشخاص بلا مقابل، إلا الحب، ذاك الحب الذي قد يتعبنا أحيانا لكنه قدرنا الجميل، الذي لا يجدر بنا التوقف عنه أو الجمود عنده.
قلت لصديق سألنى ذات مرة ذات السؤال: «... كما الحب لا ننتظر عائدا، الحب أو العشق غير المشروط هو الأبقى، هذا العشق المفتوح بلا شروط هو الوطن، البقية تفاصيل، بل هي تفاصيل سنجدها مع الوقت سخيفة ‹ وسخيفة جدا.»
قال صاحبي الذي ألتقيه دوما عبر التواصل الاجتماعي، محبطا:
«والله جالس أفكر أترك التغريد في الشأن الوطني»
قلت له صادقا :«ترى أنا حولك... لكن أذكر نفسي كل مرة.. الوطن ليس خياراً، بل هو الحياة والمصير»،
رد صاحبي:
ممكن لديك ما كسبته، أما انا خسرت كل شيء !،انا مفصول من عملي منذُ سنتين بسبب الوطن!»
قلت له بصراحة مطلقة: «الجميع يعرف أننى عطلت وبلا وظيفة.. وقد ألوم الوطن!، لكننى لم ولن أفعل، قد ألوم «أشخاصا» بالتأكيد !!
وأضيف: «لكن حتى ذلك لا يهم الآن، سيذهبون ذات يوم مهما كانوا وكانت نرجسيتهم ونرجسيتنا، وكلنا سنذهب ويبقى ما نسميه ونعنيه الأجمل.. الوطن !».
لن أحدثكم بالتأكيد عن تفاصيل أشمل، لكن المعنى- لم يعد في بطن الشاعر - بل هو الأكبر والأوسع والواضح الآن، وهو أننا ننسى التفاصيل الأعمق أحيانا، أو تأخذنا الحياة وتحدياتها دون أن نعي بشكل مستمر أن هناك عشقاً جميلا وغير مشروط ووحيدا للأرض وممتعا نرقص معه، وتتجاذب العشق والهيام والجدل والجفاء.. له اسم واحد وخالد «الوطن»..!
في حالة العشق الخاصة هذه لا مجال لحساب الخسائر والمكاسب، العشق هنا بلا معادلة، إنه الهيام الوحيد غير المشروط الوحيد الذى يولد معنا. بالطبع سنتعرض لانتكاسات وإخفاقات وخيبات أمل، وبالتأكيد فالسبب ليس الارض، ليس شيئا، هذا الشىء العظيم الذي يجمعنا بأمنه وظله..هذا الذى نشارك بلا استثناء في تسميته ب «الوطن».
ابداً ياسيدي، بل «أفراد» «أشخاص» مختلون او أنانيون او متضخمون، لكن حتى أولئك سيذهبون ويبقى المعنى الأكبر.. ليس ماديا ولا معنويا.. إنه الوجود لمستوى آخر، لمستوى أعلى تماما تماما.
ما للمشاعر والأفكار حائرةٌ
تجثوا فلا الحب تلقاه ولا السمَرُ
تبكي المدامع من همّ أحاط بها
ما ذنبها حينما تجري وتنهمرُ
همُّ الليالي ثقيلٌ كلّه كدَرٌ
ينال حامله الأحزان والسهرُ
يسعى به المرء والآمال مطلبه
بأن تزول همومٌ كلها ضجرُ(*)
اضيف وارد:
لا هموم مع الوطن.. مع العشق.. صحيح تلك التفاصيل الصغيرة مؤلمة، لكنها طارئة, أوكذلك يحب أن نامل !
الا أن الأكيد أن التاريخ، الزمن في عمر الأوطان والشعوب والحضارات يا سيدي أطول مما قد يجهل البعض.
الانتهازيون لم ولن يعرفوا هذا العشق غير المشروط.. بل اؤكد لكم أنهم يسخرون منى ومنك ومن هذه العاطفة... لكن لا عليك سيغلبهم الزمن.. وسيبقى الوطن أصلح وأبقى، حتى وإن بقيت المشاعر والأفكار حائرةً..!