محمد آل الشيخ
حادثة برشلونة في إسبانيا تثير ما كنا نثيره عند كل حادثة إرهابية، تحصد أرواحاً بريئة، لا ذنب لها إلا أنها كانت في موقع الجريمة الإرهابية. وأنا على يقين لا يخالجه شك أن ظاهرة الإرهاب الدموية لن تنتهي طالما أن هناك جهات فاعلة ومؤثرة وغنية، كقطر مثلاً، توظّف (التأسلم السياسي)، وتدعم الإخوان المسلمين كمطية لتحقيق أهدافها وطموحاتها. الإسلام دين نزل أول ما نزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- في مكة، ليُنظم علاقة الإنسان بربه -جل وعلا-، ومتى ما انحرف به بعض الانتهازيين عن مقصده الأساس هذا فإن الإرهاب يكون هو النتيجة الحتمية.
لو عاد أي باحث إلى أول من وظف الدين في خدمة السياسة سيجد بوضوح أنهم من يُعرفون في التاريخ الإسلامي بفرقة (الخوارج)، وقد تصدّت لهم الدول الإسلامية آنذاك التي عرفها تاريخ الإسلام، ومعهم كبار الفقهاء، حتى أجهضوا مشروعهم الثوري التكفيري، ليبقى الإسلام كدين وليس سياسة؛ فالسياسة هي من أمور الدنيا المتغيرة، ومثل هذه المسائل تدور مع مصالح الناس حسب ظروف الحال الآنية، بينما أن مبادئ الدين ثابتة لا تتغير حسب الأزمان وتغير الأماكن. لذلك حينما سأل الأعرابي الرسول في الحديث الصحيح عن ماهية الإسلام أوجزها حصراً في أركان الإسلام، ولم يُضف إليها أمراً من أمور السياسة، أو الشئون المجتمعية.
وأول من وظف الدين لخدمة السياسة في العقود الأخيرة كما فعل الخوارج هم (جماعة الإخوان المسلمين)، ومنهم ومن أدبياتهم، تعلمت الحركات المتأسلمة التي انبثقت عنهم أو تعلمت منهم كيف يمكن من خلال الدعوة الدينية المسيّسة يستطيع السياسي استقطاب الأتباع، وتجنيدهم، وأدلجتهم، والزج بهم في أتون الصراعات السياسية.
تنظيم داعش أعلن عن مسؤوليته عن حادثة برشلونة الأخيرة، وغنيٌ عن القول إن هذه الحركة كان مبتدعوها من تنظيم جماعة الإخوان، وإن كانوا يختلفون معهم في بعض التفاصيل والمسائل العقدية، إلا أنهم، يتفقون معهم في الغاية السياسية وهي إقامة (دولة الخلافة) التي تُنادي بها معهم الجماعة الأم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.
وهنا يجب الإشارة إلى أن الدول الأوروبية بسماحهم لفتح فروع لهذه الجماعة في بلدانهم، وغيرها من جماعات الإسلام السياسي، يتحملون جزءاً من المسؤولية؛ فجماعة الإخوان مُجرّمة في أغلب الدول الإسلامية، حتى تلك الدول التي لم تجرمها علانية، تضع أفرادها ونشاطاتهم، والمنتمين إليها، تحت الأنوار الكاشفة، وتُتابعهم، وتراقب تحركاتهم، في حين أن هذه الجماعات تجد مساحة من الحرية، وقدراً كبيراً من الحركة والتنقل في أوروبا وأمريكا، انطلاقاً من حرية الأفراد، ومبادئ حقوق الأفراد، وهنا بيت القصيد ومربط الفرس، وفي هذا العصر، حيث يتم التواصل بين الأفراد، بسهولة ويسر من خلال الإنترنت، يستغل دعاة التأسلم السياسي الذين يقطنون في أوروبا دونما رقيب أو حسيب الفرصة سانحة لتجنيد من هم في أوروبا من المسلمين وكذلك منهم خارجها؛ لذلك، وأقولها بملء فمي، إن الإرهاب لن ينتهي، وسيبقى ناشطاً، ما لم يتفق العالم أجمع بتجريم جماعات التأسلم السياسي، وعلى رأسها (جماعة الإخوان) الإرهابية، واعتبار من يدعون إليها، هم (إرهابيون)، وإن لم يقترفوا الفعل الإرهابي مباشرة.
دون أن يصل العالم إلى هذه القناعة، ويُجرم التأسلم السياسي، ويعتبر من يدعون إليه، أو من يسوّغون له مجرمين فإن الإرهاب مقيمٌ ما أقام عسيب.
إلى اللقاء،،،