لبنى الخميس
نحن رواة قصص بالفطرة.. نتداولها كعملة لغوية في تعاملاتنا مع بعضنا.. لدينا قصص في المدرسة والبر والطائرة والعمل، ولدينا حكايات في الألم والأمل والحب.
قصة أول مقابلة عمل.. «سالفة» المقلب الذي أوقعته بصديقك.. وحكاية المادة التي رسبت فيها والأستاذ الذي لم تهضمه يوماً.. وغيرها من مخزون المواقف ومستوع القصص.
ولأن رواية القصة مهارة وفن، يدخل فيها الذكاء اللغوي والعاطفي ودراسة الجمهور وفن التوقيت وسرد التفاصيل، ليس الجميع قادر على رواية قصة جميلة ومقنعة، ويصيغها بلغة بديعة، ويطعمها بتفاصيل مدهشة وتشبيهات خطيرة، لذلك معظمنا لدينا صديق في «الشلة» لا تحلو «السوالف» إلا لسانه.. وأحد من كبار العائلة يعمل عقله بمثابة صندوق لقصص ومواقف الأسرة التي يستحضرها وسط «شبه النار» في ليلة شتوية.. أو تحت ضوء القمر في ليلة صيفية.
ليس البشر فقط قادرين على احتراف رواية القصة وتسخير هذه المهارة للتأثير على الحشود وتحريك مشاعر الجماهير، الشركات أيضاً دخلت بقوة في هذا العالم، ولكن القليل منها فقط تربعت على العرش منها على سبيل المثال لا الحصر، استديوهات ديزني وبيكسار وناشونال جيوغرافيك، وبالرغم من أنهم يشتركون جميعاً في براعة وسحر رواية القصة، إلا أن لكل منهم أسلوباً مختلفاً في بناء الحبكة وشد انتباه المشاهد.
ديزني مثلاً ترمي بثقلها على قصص وأساطير غابرة (علاء الدين، حورية البحر، بونوكيو) وتخلدها بسحر الصورة وعذوبة الموسيقى وأزلية النهايات السعيدة، وغالباً ما تتجلى العقدة في الصراع ما بين البطل وقوى الشر.
أما استديوهات بيكسار التي تتبع لشركة ديزني بالمناسبة، فلها أسلوب قصصي مختلف يعتمد على سؤال «ماذا لو؟» ماذا لو نطقت لعبة؟ وتحول فأر إلى شيف شهير؟ وكان هناك وحوش داخل خزائن الملابس؟ ومن ثم استثارة الخيال لبناء قصة بطل لا يحارب قوى شر خارجية بل يضع نفسه في مواقف خطرة ومربكة وتتجلى بطولته في براعة الخروج منها.
أما فن القصة لدى ناشونال جيوغرافيك التي تتجلى في صورها وأفلامها الوثائقية فقائم برأيي على عامل مهم جداً هو الجرأة والجسارة، للغوص في أعماق المحيطات لتوثيق هجرة قطيع من الحيتان، والتغلغل في قلب غابات الأمازون لاكتشاف فصائل جديدة وسامة من الثعابين، وتسليط كاميرا عالية الدقة على فكي نمر رشيق مستعد للانقضاض على فريسته. لا أحد يروي قصص الطبيعة كما ترويها عدسات ناشوال جيوغرافيك الشغوفة بسبر الأغوار وركوب الأخطار في سبيل اقتناص اللحظة وتخليدها في ذاكرة عقلك.
اليوم احتراف فن رواية القصص لم يعد حكراً على صديق الشلة و»حكواتي» العائلة أو كتّاب ديزني ومحرري ناشونال جيوغرافيك، بل حرفة لها قواعد وأسرار منها إيقان معادلة القصة والرقص على إيقاعها برشاقة وذكاء ومعرفة جمهورك، بالإضافة إلى قراءة الكثير والكثير من القصص.
في المقال القادم نتناول تلك القواعد بإسهاب.