عبدالعزيز السماري
فجر الحوار المسجل بين المواطن والطبيب مسألة العنصرية في المجتمع، وقد تكون نقطة تحول في الموقف من مظاهر العنصرية، فلغة وأخلاق العصر لم يعد تحتمل مثل هذا الكلام البذيء عندما نختلف حول أمر ما، أو لا يحصل أحدهم على ماذا يريد..
العنصرية أو الإقصاء أو الاحتقار لها جذور في مختلف المجتمعات البشرية، لكنها تختلف باختلاف مستويات التعليم والوعي وباختلاف التشريعات أيضاً، وقد يكون ذلك الكلام العنصري البذيء أحد مظاهرها، لكنه حتماً مجرد غلاف في غاية القبح لمظاهر أشد خطورة وفتكاً بمصالح الناس.
خلال السنوات الماضية تكررت قضايا في صلب العنصرية مثل تكافؤ النسب في الزواج، وكانت صعوبة مواجهته أن له مرجعية في بعض كتب الفقه الإسلامي، وهو ما يعني تبني بعض رجال الفتاوي لهذا الموقف العنصري.
عند النظر لزوايا أخرى للوباء الاجتماعي الخطير أو العنصرية في مجالات العمل، تبدو مظاهر مبطنة وخطيرة في هذا الاتجاه، ومن خلال مراجعة سريعة للتجارب الشخصية في أماكن العمل ولأسباب غياب فرص النجاح والتميز عند البعض، تبدو تلك المظاهر في غاية الوضوح..
فالبعد الإقليمي أو الفئوي من أخطر علاقات الإقصاء أو التفضيل على أساس عنصري، فالمدير العام أو الرئيس إذا كان عنصرياً يبدأ باختيار الكفاءات الإدارية لأشخاص ينتمون لخلفيته الاجتماعية سواء كانت إقليماً أو عائلة..
ولو نظر أحدنا إلى الخلف قليلاً في مقر عمله لاتضحت تلك الصورة، فقد كانت في بعض التجارب في غاية الوضوح لدرجة الاشمئزاز، فالأشخاص المفضلون يخرجون من الأركان المظلمة أو من أقل درجات الكفاءة لينالوا المناصب الأعلى في المؤسسة.
المدهش في الأمر أن الصمت عنها أوصلها لتكون حالة طبيعية في عالم الإدارة، وإلى تبوء أبناء أقاليم محددة للمواقع الإدارية في بعض المؤسسات، إذ لا يوجد أي معيار للكفاءة أو لثقافة الإنجاز ما عدا البعد الإقليمي أو الأيدولوجي..
يشكل البعد الأيدولوجي نموذجاً آخر لمظاهر العنصرية، فالأخوة على أساس ديني حركي لها مفعول عظيم الأثر في شبكات العمل الإداري، فالإخواني على سبيل المثال يعتبر تقريب إخوانه في الحركه لشغل المناصب تقرباً لله عز وجل في الظاهر، لكن الأيام عادة ما تظهر ما كانت تخفيه تلك العلاقة..
فالمنفعة والمصالح المشتركة عادة ما تختفي خلف تلك المظاهر، والدليل تضخم الثروات الشخصية بعد سنوات من العمل الإداري، فالهدف بلا مكياج ديني أو إقليمي أو عائلي أو قبلي هو المال والجاه والسلطة، وهو ما يعني أن تخضغ هذه الأساليب للرقابة كأحد أهم مظاهر الفساد الإداري..
لهذه الأسباب ربما يعتبر البعض ما تحدث به المواطن من كلام عنصري بغيض أقل مظاهر العنصرية خطورة في المجتمع بالرغم من بذاءته اللفظيه، فالعنصرية المبطنة تشكل العمود الفقري لظاهرة الفساد الإداري، وتكون في غاية الإحباط للمجتمع عندما تكون معيار التقدم والتأخر في مجالات العمل.
باختصار.. الظاهرة العنصرية متفشية لدرجة كبيرة في بعض القطاعات، وتكون واضحة عند استبدال موظف بآخر، فالبعدان الإقليمي والأيدولوجي الديني الحركي يعتبران أحد أهم معايير توزيع الفرص الكبرى في المجتمع عند البعض..
من خلال هذه الرؤية المتواضعة أعلاه، هل نجرؤ على النظر مباشرة في المرآة ونسأل بكل تجرد الشخص الواضح فيها هل أنت عنصري؟ أي تقوم علاقاتك مع الآخرين على أساس عنصري..!