د. جاسر الحربش
قبل إنهاء مداخلتي على ورقة المستشار القحطاني أود لفت نظر القارئ الكريم إلى الملاحظات التالية؛ الأولى ما لاحظه البعض من احتمال إغفال المداخلة السادسة بينما هي لم تسقط عمداً أو سهواً لكنها دمجت كما يبدو من قبل التحرير في الفقرة التي سبقتها لتشابه الموضوعين. الملاحظة الثانية ما أسر به بعض الأصدقاء بأن مداخلاتي احتوت قدراً من المجاملة، وعليه أرجو من كل قارئ داخله هذا التوهم أن يعيد قراءة الحلقات كلها كبناء واحد، ليجد أنني اتفقت مع الكاتب فيما كنت مقتنعاً به قبله وعارضته فيما رأيت أنه يستوجب التصحيح حسب قناعاتي. اليوم أنهي النقاط المتبقية من الورقة المذكورة.
النقطة العاشرة في الورقة: إحدى مشاكلنا هي عدم ظهور تيار وطني نشط داخل إطار الدولة القائمة، ولكن ظهرت تيارات مناهضة مثل تيار الصحوة، الشيوعية، الناصرية، البعثية.
التعليق: السبب يعرفه الأستاذ القحطاني بحكم عمله من قبل ومن بعد. التيار الوطني النشط موجود وشبه معطل ولم يجد التشجيع ولا القبول الكافيين، وكانت المياه تجري في سواقي التيارات الصحوية إما باصطفاء وتشجيع رموزها أو غض النظر عن ممارساتها الإقصائية، وكانت للتيار الوطني المستنير محاولات متكررة للتحذير ومطالبات بتحقيق مشروع الدولة المنفتحة على الجميع. المقابل للاتهامات بالعلمانية والتغريب والتكفير كان غض الطرف الرسمي هو القاعدة، وفي مثل هذه الظروف يستحيل ظهور تيار وطني نشط.
النقطة الحادية عشرة: الأيديولوجيات كانت هي أسباب الانتكاسات في التاريخ العربي الحديث مما يؤكد فشل الدولة الأيديولوجية.
التعليق: لم توجد في التاريخ العربي الحديث دولة أيديولوجية واحدة بدون ارتباط ووفاق مع السلطة السياسية، وكلاهما كارتباط لم يكن يقدم مشروعاً تحديثياً متكاملاً كما تتطلبه الدولة الوطنية المدنية. التفاؤل بالمستقبل التحديثي الموجود الآن يحدده فك الارتباط المصلحي وفصل التوائم الملتصقة لصالح المشروع الوطني الحديث بمكوناته الروحية والفكرية والعلمية والمادية التي تتسع للجميع في إطار القانون المدون.
الفقرة الثانية عشرة: محاولاتنا تدريس الوطنية لطلبتنا فشل لأننا لم نحدد كيفية حب المواطن لبلده.
التعليق: الوطنية تتناسب طردياً مع قناعات المواطن الفكرية والمادية، وليس مع المناهج المطبوخة على مذاق تحدده البيروقراطية الوزارية المكلفة، أو القوي للضعيف والغني للفقير. هذا هو السبب في الفشل.
الفقرة الأخيرة: آن الاعتراف بأن مفهوم الأمة تخطاه الزمن وكلنا مواطنون متساوون في دولة حدود معروفة، علينا تجاهها واجبات ولنا حقوق لا يغيرها المذهب أو المحتد القبلي أو الإقليم. علاقتنا بالآخر القائمة على مصلحة الوطن لا تتعارض مطلقاً مع الإسلام الحنيف.
التعليق: نعم مصلحة الوطن لا تتعارض مع الإسلام السماوي غير المسيس، لكن مفهوم الأمة له بعدان، بعد وطني مهمته داخلية نهضوية علمية عدلية تنويرية، وبعد أوسع تفرضه مصلحة المتماثلين وتحصين المتكاملين ضد تغول التكتلات الأجنبية الاقتحامية وضد عمليات التفكيك فرادى وإعادة التركيب.
يجب أن يستقر في الضمير الوطني العربي والإسلامي أن ضعف أو انكسار أية دولة عربية أو إسلامية يعني في المحصلة النهائية ثغرة ضعف وانكسار في الناتج النهائي للدول العربية والإسلامية أمام القوى الإقليمية والعالمية. الجغرافيا العربية والإسلامية تم اقتحامها عنوة منذ أزمنة طويلة من قبل قوى متعددة حشرتنا في زاوية الدفاع عن النفس والبحث عن تحالفات مكلفة ومؤقتة.
انتهت حلقات المداخلة على ورقة المستشار سعود القحطاني، والتي اتضح لي لاحقاً (ولم أكن أعرف من قبل) أنها نشرت في مقال قديم في الشهر الثامن من عام 2004م، ولا أدري كيف مر المقال في ذلك الزمن دون إحداث ما يستحقه من التمحيص والدراسة.