خالد بن حمد المالك
عندما أهدى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى أهلنا القطريين فرصة أداء مناسك الحج بالتسهيلات التي أعلن عنها، بعد أن حال نظام الشيخ تميم بحصاره ومنعه للقطريين دون أن يؤدوها، ونص التوجيه الملكي الكريم على أن هذا القرار للذين يحملون الجنسية القطرية، راحت أبواق النظام القطري تتباكى وتتساءل بما معناه «ولماذا اقتصر التوجيه على القطريين فقط، ولم يشمل المقيمين في قطر من غير القطريين؟». وأنا أتساءل: وما شأن قطر بغير القطريين؟ أليس بإمكانهم أن يعودوا إلى بلدانهم ويسافروا منها، أو أن يستفيدوا من الممرات التي تم فتحها للوصول إلى الأماكن المقدسة عبر شركات الطيران غير القطرية؟ غير أن وراء التساؤل القطري المريب ما وراءه، وسوف تكشفه الأحداث والتطورات خلال الأيام القادمة.
* *
إذ من الواضح أن النظام القطري لا يستطيع أن يشتري ضمير المواطن القطري بالمال؛ ليقوم خلال مناسك الحج بأعمال تخريبية، لكن من بين المقيمين في قطر - ولا أعمم - من لديه الاستعداد لتلبية الطلب، والقيام بما يتم الاتفاق عليه مع السلطة القطرية، طالما أن هناك ثمنًا يُدفع، وإغراء يتم، ومظلة تعتيم جاهزة للمخطط.. وهذا بنظرنا هو سبب هذا التباكي وهذه الفزعة لمن يقيم في قطر لمساواته بأشقائنا المواطنين القطريين، في دفاع حقير، ومحاولة رخيصة لاستدرار عواطف المقيمين في قطر، ومن ثم تبني بعضهم أعمالاً إرهابية في الأماكن المقدسة، حتى ولو كان قدومهم إلى المملكة بغير التنظيم الذي تم للمواطنين القطريين. على أن توظيف بعض الأشرار لإفساد الحج سبق لطهران تجارب كثيرة فيه، وكان مآلها الفشل، وإذا ما كررت قطر السيناريو الإيراني نفسه في محاولة منها لإفساد الحج فلن يكون مصير محاولتها إلا كما كان ذلك المصير الإيراني.
* *
أمام قطر محاولات كثيرة للتشويش من جانبها في موضوع الحج؛ فقد بدأت تتحدث عن مضايقات للحجاج القطريين حتى بعد أن أعلن التوجيه الملكي الكريم بأن يكونوا ضيوفًا لدى خادم الحرمين الشريفين، ونفقاتهم على حسابه الشخصي؛ إذ زعم النظام أن الحجاج عادوا من معبر سلوى الحدودي مع المملكة؛ لأنه طُلب منهم التوقيع على بعض الأوراق. ومن قبل ومن بعد اتهموا المملكة بتسييس الحج، وطالبوا بتدويل الحج، وأن ما أمر به الملك سلمان من تسهيلات للحجاج القطريين إنما هو تراجع في الموقف السعودي أو هزيمة له، وما إلى ذلك من الترهات التي لا تصدر عن العقلاء. وأكثر من ذلك؛ فقد طالبوا بضمانات بعدم تعرُّض الحجاج القطريين لأي مضايقات.
* *
بصريح العبارة، الحج متاح لجميع المسلمين، وفق آلية حددت العدد لكل دولة، باتفاق وإجماع من الدول الإسلامية، وفي حدود الطاقة الاستيعابية للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة. أما حماية الحجاج وسلامتهم فهذا شأن سعودي داخلي، مسؤولة عنه الحكومة السعودية، ولا شأن لقطر أو غير قطر أن تمنع المملكة من استخدام الوسائل الاحترازية قبل وصول الحاج إلى المملكة لمنع أي تصرف قد يفسد الحج، ويعرِّض سلامة الحجاج للخطر، ومثلهم أمن المملكة واستقرارها. كما أن تعامل رجال الأمن مع أي ظاهرة أو عمل أو تصرف قد يخل بأمن هذا الموسم الديني متروك لتقدير السلطات الأمنية في المملكة، ولا تهاون ولا تسامح مع أي عمل من أي حاج يُشَمُّ منه مظهرٌ من مظاهر الإرهاب، وعلى قطر أن تستوحي من تجارب طهران؛ ما يجعلها تفكِّر مليًّا قبل أن تقدم على ما يزيد من متاعبها.
* *
هذه بلاد الحرمين الشريفين، وقِبلة المسلمين، وشرَّف الله ملكها وولي عهده وشعب المملكة العربية السعودية بخدمة الحجيج وتقديم التسهيلات لهم؛ وهذا تطلَّب من المملكة إنفاق الجزء الأكبر من ميزانيتها سنويًّا على أعمال الحرمين وما يحيط بها من مساحات وساحات، بالتوسعة والفن المعماري المتميز، يصاحب ذلك وعلى مدار الساعة الصيانة والنظافة، وجعل الحرمين والمدينتين المقدستين في أحسن صورة، وأفضل بهاء.. وفي مقابل ذلك، فإن حكومة المملكة تستنفر كل إمكاناتها البشرية من أمن ومسؤولين وعاملين في القطاعات الأخرى لضمان أن يؤدي الحاج شعيرته بسهولة وراحة ويُسر.
* *
وإذا كان الأمر هكذا فماذا يريد نظام الشيخ تميم من المملكة لتقدمه للحاج القطري غير ما تفعله مع كل حجاج المعمورة؟ ومع الاستثناءات لحجاج قطر تقديرًا لظرفهم الخاص بمنع السلطة القطرية بأعذار واهية من أن يحجوا؛ ما جعل الملك سلمان يبادر بوساطة من الشيخ عبدالله آل ثاني خلال استقبال نائب الملك محمد بن سلمان له في جدة إلى أخذ القرارات التي أحرجت النظام القطري، وكشفته على حقيقته، ومن أنه كان يستخدم الحجاج القطريين كورقة سياسية للضغط على المملكة؛ كي تقوم بفتح الحدود المغلقة بينها وبين قطر، وهو تصرُّف قطري، ليس له من تفسير إلا أنه محاولة قطرية يائسة وبائسة لتسييس الحج.
* *
أفهم أن تتعاون الدول الإسلامية مع المملكة لضمان الأمن خلال مواسم الحج والعمرة والزيارة لمسجد رسول الله، وأفهم أكثر أن يكون موقف الدول العربية الشقيقة أكثر اهتمامًا ومعاضدة للمملكة في سياساتها، وفهمي يزداد حين يكون الطرف المقابل خليجيًّا؛ فلا يقبل بما يسيء إلى أمن الحجاج، أو يخدش حرمة الأماكن المقدسة، ولكني لا أفهم كيف لدولة صغيرة وشقيقة وجارة وخليجية أن تواصل العبث، وتتصرف بجنون، وتستعدي الآخرين ضد ما تقوم به المملكة من تنظيمات لمصلحة حجاج بيت الله الحرام، وأن يصل بها التجاهل للحقائق إلى الادعاء بأن المملكة تحقق إيرادات هائلة، وأرباحًا كبيرة على حساب الحجاج، وهي تعرف أن المملكة تخسر على تنظيم الحج وخدمة الحجاج من ميزانيتها سنويًّا، لكن من فَقَد الحجة كقطر ليس لديه ما يقوله إلا مثل هذه التخرصات والأكاذيب وذر الرماد بالعيون.
* *
فأهلاً بإخواننا وأهلنا في قطر، يحجون على نفقة خادم الحرمين الشريفين، وسيكونون ضيوفه، وسنوفر لهم كل التسهيلات الممكنة للوصول إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولن يجدوا إلا ما تعودوا عليه من كرم الضيافة وحسن المعاملة، وأن ما تطلقه أبواق النظام القطري الإعلامية والسياسية لا يعدو أن يكون أصواتًا مبحوحة في صحراء لا يسمعها ولا يقتنع بها من لديه الإلمام والمعرفة بحقائق الأمور.
* *
أسأل مرة أخرى وأخيرًا: ما شأن قطر بغير القطريين، من منحها حق المرافعة عنهم؟ هل النظام القطري يهيئ ويجهز عددًا من العملاء ممن يقيمون لديها ليتصرفوا بما يخل بأمن الحجاج، ويثير الفوضى بينهم، ويفسد عليهم التمتع بهذه الأجواء الروحانية؟ هل هذا سبب كل هذا التباكي لأنهم لم يحصلوا على ما حصل عليه القطريون من استثناءات، اقتضتها الضرورة، بعد أن منعهم نظام الشيخ تميم من الحج، بينما بمقدور غير القطريين أن يحجوا كغيرهم من المسلمين، ووفق الأنظمة والقواعد والآليات التي اتفقت عليها جميع الدول الإسلامية، دون حاجة إلى هذا التعاطف القطري المزيف، الذي ربما أنه ينطوي على تفكير عدواني باستخدام عناصر منهم لإيذاء حجاج بيت الله الحرام، بغرض إحراج المملكة، ولكن هيهات أن تتمكن قطر أو غير قطر من أن تجد مساحة لها لتنفيذ أعمال تخريبية خبيثة.
* *
والطامة الكبرى غير المستغربة من نظام الشيخ تميم ما أعلنه مدير عام المؤسسة العامة للخطوط الجوية العربية السعودية من أنه تعذرت على الخطوط السعودية حتى الآن جدولة رحلاتها لنقل الحجاج القطريين من الدوحة إلى المملكة، إنفاذاً للتوجيه الكريم من خادم الحرمين الشريفين بأن يُنقلوا مجاناً وتتم استضافتهم على نفقته الخاصة، وذلك بسبب عدم منح السلطات القطرية التصريح لطائراتها بالهبوط على الرغم من مضي أيام عدة منذ تقديم الطلب، ما يعني أن السلطة في قطر لا زالت غير قادرة أن تتعامل مع أزمتها بشيء من الحكمة وأخذ القرارات المناسبة، وأنها لا زالت تصرّ على تسييس قضية الحج في مشكلتها مع جيرانها، وأن في تصعيدها هذا إنما تؤكد من جديد أنها ليست في وادي التخلي عن الممارسات والتصرفات التي تبعدها عن إيران والإخوان المسلمين وحزب الله والحوثيين وجميع الأعداء والعملاء الذين من المتفق عليه هم سبب الإرهاب والتطرف والتحريض والتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
* *
وإذا صح ما تناقلته بعض مواقع التواصل الاجتماعي بأن نظام تميم سوف يضع أسماء من يحجون من القطريين هذا العام في القائمة السوداء، وأن محاكمات ستجري لهم بسبب خروجهم على السياسة القطرية، ورفضهم إملاءات النظام، فإن هذا يضيف التأكيد الذي قلناه وردَّدناه من أن نظام تميم يحاول جاهدًا تسييس الحج، حتى ولو كان ذلك على حساب إيذاء المواطنين القطريين، ومنعهم من الحج؛ فما تفعله السلطة القطرية، وما تمارسه في سياساتها، لا يُستغرب حين يمتد إلى قهر المواطن القطري، والحيلولة بينه وبين أن يؤدي مناسك الحج والعمرة.