إبراهيم عبدالله العمار
عندما شاهدتُ الأفلام الأمريكية في طفولتي رأيت أحد جوانب تربية الأمريكان لأبنائهم وذلك بطريقة عقابهم لهم إذا أساءوا التصرّف، وهي كلمة you are grounded، وتعني حرمان الطفل من الخروج من المنزل، وأيضاً من أشياء أخرى يحبها مثل مشاهدة التلفاز أو ألعاب الفيديو، وكنت أستغرب من هذه العقوبة ولا أراها قاسية أو ذات أثر، لكن بالنسبة للطفل الغربي فهذه عقوبة فعّالة، وهذا مما يفيدنا به كتاب "جغرافية التفكير" للعالم ريتشارد نيسبت، والذي يدرس فيه فروق التفكير بين الآسيويين والغربيين، ومنها تربية الأطفال، فالآباء الغربيون يشجعون أبناءهم على الاستقلالية، فمثلاً تسأل الأم طفلها: هل تريد الذهاب لسريرك الآن أم تريد تناول وجبة صغيرة أولاً؟ إنها تشجعه على اتخاذ القرار بنفسه، بينما الآسيوي لا يخيِّر، بل يأمر ابنه لأن ثقافته قائمة على أن الأب والأم يعرفان مصلحة الابن والتربية والنصح دورهما، ودور الابن أن يطيع.
ولهذا فإن عقوبة grounding المذكورة للطفل الغربي الذي تعود على الحرية والاستقلالية واتخاذ قراراته بنفسه لهي عقوبة مخيفة له!
إن اهتمام الآسيويين بالمجتمع وتركيز الغربيين على الفرد من أبرز الاختلافات بين الثقافتين، ولهذا آثار ممتدة، فالتركيز على العلاقات الاجتماعية يشجع على اهتمام الناس بمشاعر بعضهم.
عندما تُلاعب الأمريكية ابنها فهي عادة تسأله عن أشياء ثم تعطيه معلومات عنها، لكن اليابانية لا تفعل ذلك، فهي تركز على المشاعر في تربيتها له، مثلاً تقول لابنها: إن المُزارع سيحزن لو لم تأكل كل الأكل الذي أعدته لك أمك. أو: اللعبة تبكي لأنك رميتها. أو: الجدار يتأوه.
الطريقة الأمريكية تؤهب الطفل لمعيشة استقلالية إذا كبر، بينما الطريقة الآسيوية تجهز الشخص أن يكون جزءاً يشعر بالمجتمع الذي سيعيش فيه ويشعر بأحاسيس أفراده ويتناغم معهم، وهذا ما يحصل فعلاً، والدراسات النفسية تُظهر ذلك كلما قارنتْ بين الآسيويين والغربيين، بل إن هذا يمتد لعالم الحيوان! والعالم ريتشارد شارك في تجربة نفسية على متطوعين نصفهم يابانيون ونصفهم أمريكان، وطلب منهم وصف بعض الكائنات المائية، فكان الياباني "يرى" مشاعر أكثر في الحيوان، مثل: السمكة الحمراء لا بد أنها غاضبة لأن حراشفها أوذيت.
تجربة أخرى قارنت بين أمريكان وصينيين أظهرت نفس النتيجة، حتى إن الأمريكان استغربوا من سؤال الباحثين وعجزوا حتى عن استيعاب الفكرة!