عبدالوهاب الفايز
من الأساسيات التي أولتها الحكومة السعودية اهتمامها منذ عشر سنوات، بالذات هيئة حقوق الإنسان، هو موضوع (الاتجار بالبشر)، وقد توج هذا الاهتمام بإصدار نظام وطني عام (1430هـ) تعامل مع هذا الموضوع الحيوي من كل جوانبه، وتضمن النظام تحديد الأفعال والسلوكيات للاتجار بالبشر، بالإضافة إلى تحديد عقوبات تطبق بحق من يقوم بهذه السلوكيات، وجاء النظام منطلقا من المبادئ التي يكفلها الإسلام للحقوق الأساسية للإنسان، وإستوعب القوانين والمبادئ التي أقرها المجتمع الدولي لمحاربة الاتجار بالبشر.
تحت مظلة هذا النظام نتمنى القضاء على (ظاهرة التسول) التي تتوسع في مدننا، وأسوأ مافي هذه الظاهرة هو التسول بالأطفال والنساء. هذا يزعجنا لأنه يعد من صور (الاتجار بالبشر)، وهيئة حقوق الإنسان وضعت استغلال الأطفال والنساء بهدف الكسب المادي كالتسول ضمن الأمور التي يجب التخلص منها ومحاربتها ضمن أمور عديدة يغطيها نظام مكافحة الاتجار بالبشر.
والتسول من الأشكال التي تستغلها العصابات المنظمة لأجل كسب المال عبر تشغيل النساء والأطفال وكبار السن وأصحاب العاهات، وفِي السنوات الأخيرة شاهدنا كيف تطورت هذه الظاهرة، وما يلفت الانتباه هو توسع استخدام النساء والأطفال الرضع، (من غير السعوديين)، في أوقات محددة وفي أماكن ثابتة، بالذات عند الجوامع الكبيرة، مع وجود خدمات توصيل وتبديل للعاملين، وكأننا إزاء بيئة عمل منظمة!
هذا العمل المنظم الدؤوب يسيء لبلادنا، ونخشى استغلاله عبر قنوات التواصل الاجتماعي لوضعنا في إطار المجتمعات التي تتساهل في ممارسات الاتجار بالبشر. أيضا هو يسيء لنا لأن الزائر لبلادنا سوف يرى الأعداد التي تلفت الانتباه من الأطفال والنساء المتسولين عند إشارات المرور في تقاطعات الشوارع الرئيسيّة من الصباح الباكر وحتى منتصف الليل، وينتشرون بين السيارات بصورة تهدد حياتهم، وتجعلهم مصدر بلوى للآخرين.
هذه الظاهرة المتنامية، تتطلب عدم تساهل الجهات المعنية، ومن الضروري محاصرتها.
الغريب أن هذه الظاهرة تتوسع رغم جهود الجهات الأمنية والقضائية لمحاربتها، بالذات استغلال الأطفال، فهناك عشرات الحالات التي نظرتها المحاكم الجزائية لأشخاص قاموا باستخدام الأطفال لأغراض التسول، وقد صدرت العقوبات التي تجرم التسول كأحد أشكال الاتجار بالبشر.
الجهات الحكومية واجبها التصدي لجرائم الاتجار بالبشر؛ لمحاصرتها وحتى لا تتحول الحالات الفردية إلى ظاهرة، وهيئة حقوق الإنسان تكثف جهدها عبر لجنة وطنية دائمة لمتابعة هذا الموضوع، ومواصلة الجهد ضروري لأن بلادنا من الدول المستهدفة من قبل العصابات الإجرامية المتخصصة في الاتجار بالبشر، فهذه تستغل تدني المستوى الاقتصادي والفقر لتهريب الأشخاص من الدول المجاورة، بالذات الأطفال.
ومع استمرار تدهور الأوضاع السياسية في البيئة المحيطة بِنَا سوف تتواصل عمليات التهريب وتتنوع أساليبها، والعالم تقلقه تجارة البشر، ومنظمة العمل الدولية تقدر عدد ضحايا العمل القسري في العالم بأكثر من 21 مليون شخص بمن فيهم ضحايا الاستغلال الجنسي، وهذه تقديرات متواضعة لأن عدد ضحايا الاتجار غير معلوم، ومع الأسف فإن ملايين البشر اليوم يتعرضون للممارسات المسيئة، والأمم المتحدة تقدر أن كل بلدان العالم تتأثر بظاهرة الاتجار بالبشر، سواء كانت من بلدان المنشأ أو العبور أو المقصد، وسبق للجمعية العامة للأمم المتحدة عام2010 وضع خطة عمل عالمية لمكافحة الاتجار بالبشر، ودعت جميع الحكومات لتنسيق جهودها لأجل محاربة هذه الآفة الإنسانية والاجتماعية.
أيضا، الأمم المتحدة دعت لإنشاء صندوق لدعم ضحايا تجارة البشر، خاصة النساء والأطفال. وأقرت في عام 2013 يوم (30 تموز/ يوليه) من كل عام يوما عالميا لمناهضة الاتجار بالبشر، وكان هذا القرار يشكل إعلانا عالميا باهمية زيادة وعي المجتمع الدولي بمعاناة ضحايا الاتجار بالبشر وتعزيز حقوقهم وحمايتها.
الأمر الإيجابي أن السعودية في قائمة الدول التي اتخذت الإجراءات العملية لمحاربة الاتجار بالبشر بكل صوره، بالذات في التسول وفِي تجارة التأشيرات، وبلادنا سوف تكون مستهدفة للاتجار بالبشر نظرًا لارتفاع دخل الأفراد، واستمرار الازدهار الاقتصادي. وبخصوص التسول، نحتاج تكثيف الجهود الحكومية، وجهود منظمات المجتمع المدني، وأيضا وعي الناس بضرورة التحري قبل تقديم الأموال للمتسولين، والاتجاه إلى الجمعيات الخيرية المعترف بها.
وكخطوة عمليه يفترض أن تبادر وزارة الشؤون الإسلامية وهيئة حقوق الانسان بوضع نصوص من النظام الذي يجرم التجارة بالبشر عند مداخل الجوامع، والتوسع بهذا في الأماكن العامة، فهذه من خطوات الوقاية الضرورية لتكمل الجهود المبذولة لمحاربة الاتجار بالبشر من قبل مؤسسات التشريع وإنفاذ الأنظمة.