عروبة المنيف
سياح من عدة جنسيات قتلوا وآخرون أصيبوا في اعتداء غاشم وقع عليهم في شارع «لارمبلا» السياحي بمدينة برشلونة الإسبانية، الضحايا من «فرنسا، ألمانيا، هونج كونج، تايوان، اليونان، باكستان، الفلبين، فنزويلا، أستراليا، رومانيا، الصين، الجزائر...» خليط غير متجانس من السياح متعددي الهويات الإثنية والعرقية والدينية والقومية وغيرها، أتوا من أصقاع الأرض أملاً في قضاء أيام جميلة في مدينة من أكثر المدن العالمية ارتياداً للسياح، ليواجهوا بمن ملأ السواد قلوبهم وسيطر الوهم على عقولهم، يرهبون سياحاً لا ذنب لهم سوى أنهم يبحثون عن قضاء لحظات سعيدة، ليقتصوا منهم في عمليتي دهس وإطلاق نار ما أسفر عن مذبحة بشرية مروعة تئن منها الإنسانية ألماً ووجعاً، نفذتها أيادٍ قذرة تلطخت بدماء الأبرياء، فالمناظر المروعة التي عرضتها وسائل الإعلام للضحايا وهم غارقون بدمائهم في وسط الشارع تجعلنا نفكر في مدى البشاعة التي من الممكن أن يكون عليها بنو جلدتنا من البشر.
شاءت الأقدار أن أغادر مدينة برشلونه للرياض قبل حادثة الدهس المروعة التي تعرض لها السياح بيومين، فقد قضيت شهراً كاملاً أقطع فيه شارع «لارمبلا»، بشكل يومي في الذهاب للشاطئ والعودة من ذات الشارع لمزاولة رياضة المشي، وقد كنت دوماً أغبط المدينة للأمان الذي تعيشة فهي لم تتعرض للإرهاب كالعواصم الأوروبية الأخرى، وما أدهشني قبل الحادث بأيام أن السلطات البرشلونية لم تكن لديها الجاهزية والحذر اللازم للتصدي لهجمات إرهابية محتملة، فقد حضرت مع العائلة مباراة لكرة القدم في ملعب «الكامب نو» ببرشلونة بين أشهر فريقين في إسبانيا لكرة القدم، وأثار حفيظتي وقتها عدم توافر تفتيش إلكتروني عند دخول الجماهير إلى الملعب الذي حضر فيه ما يزيد عن الثمانين ألف متفرج، وهذا التصرف بحد ذاته جعلني أشعر بالقلق، ما دعاني لمغادرة الملعب مع العائلة قبل انتهاء المباراة، فالإرهاب العالمي لا يرحم والحرص على أرواح الجماهير أصبح ضرورة في كل زمان ومكان. لقد انتابتني مشاعر مختلطة من الخوف والألم والأسى والحزن على الضحايا وأهاليهم ولم أذق طعم النوم تلك الليلة، وشكرت الله على نجاتي وعائلتي فالله قدر ولطف.
ما حدث لبرشلونة هو درس قاس للسلطات الإسبانية، فالتأهب يجب أن يكون على أشده، لأن الإرهاب لا يستثني أحداً، فهؤلاء مخلوق مشوه ابتليت به الإنسانية وأخذ الحيطة والحذر منه أصبح مطلباً ملحاً، فالتجنيد للإرهاب سواء كان داعشياً أو غيره يستهدف الجميع، بل وحتى الأطفال، وعمر الإرهابي «17 عاماً» مغربي الجنسية المشتبه به بحادثة الدهس ببرشلونة، دليل على أن الإرهاب لا يميز، وإسلامية وعروبية المنتمين للإرهاب أيضاً تزيد من الألم والأسى، وتنوع أساليبه يتطلب من الجميع أن يكونوا على أهبة الاستعداد، فهو ليس حزاماً ناسفاً كما شاع، لقد أصبحت السيارات الداهسة ناسفة أيضاً، ولكن نعود ونقول، إن أخذ الحيطة والحذر أمر ضروري وهام، ولكن تبقى الأيدولوجيا التي بنى الإرهاب عليها فكره هي رأس الأفعى التي ينبغي بترها.