د. محمد عبدالله الخازم
أشار ديوان المراقبة (وفق ما نشره الإعلام) إلى صرف الجهات الحكومية مبالغ تجاوزت 12 ملياراً على الاستشارات والعقود الاستشارية، ونعتب على ديوان المراقبة حينما يرمي مثل هذا الخبر المثير للانتباه دون إيضاحات كافية، لأن البعض -للأسف- صنف ذلك كفساد الجميع متهم فيه. الشفافية أن تطرح المعلومة بشكل واضح، لا أن تظهر نصف الحقيقة وتترك الباقي!
ديوان المراقبة مطلوب منه أن يعلن أولاً نوع الاستشارات بالأرقام، الاستشارات الفردية واستشارات الشركات وأنواعها وحجم المبالغ في كل نوع، وكذلك إعلان الأرقام لكل وزارة أو جهة حكومية. لأن الإعلان بالطريقة هذه يقود إلى اتهامات للكل وإلى لا مبالاة من مختلف الجهات، لأن كل جهة ستعتبر أنها ليست مقصودة بذاتها وأن الأمر يخص جماعة القطاعات الحكومية بأكملهم. تعودنا أن يصمت الجميع حينما يأتي المدرس يعاتبنا على المشاغبة، طالما لم يحدد أحداً باسمه فلا ملامة!
الاستشارات نوعين؛ على مستوى الأفراد بتعيين المستشارين وعلى مستوى العقود المؤسسية مع الشركات وجهات الاستشارة المختلفة. لنبدأ بالمستشارين على المستوى الفردي ونطرح تساؤلات لا تعني بالضرورة تأييد استفحال هذه الممارسة بشكل ملحوظ ولكن لشرح الخلفيات والحث على حلول جذرية لها بدلاً من مجرد اللوم والإيهام بأن كل الاستشارات تعتبر تجاوزاً للنظام.
أولاً: الوظيفة العامة بالذات في المراكز القيادية لم تعد مغرية، وأستطيع أن أجزم بأن أغلبية وكلاء الوزارات ومدراء العموم ومن في حكمهم لا يستطيعون الاكتفاء براتب الوظيفة الزهيد مقارنة بمؤهلاتهم أو بمستوى مناصبهم، وبالتالي هم يحصلون على العمل الإضافي والانتدابات والسفريات ويستخدمون سيارات العمل لتعويض ذلك، كما أن كثيراً منهم يعمل وفق عقود استشارية (موضوعنا) تتيح لهم الحصول على راتب أعلى أو إضافي. ليس هناك خيارات كبرى أمام أي وزير إن هو أراد استقطاب كفاءات متوسطة الإمكانيات (وليس متقدمة لأن المتميزة لا ترضى براتب الحكومة ما لم تكن لها مميزات أكبر أو أهداف تتجاوز الراتب في المنصب). هذا يعني أننا بحاجة لإصلاح نظام الوظيفة العامة ليكون جذاباً دون عقود استشارات واستغلال المنصب في الحصول على الإضافات المشار إليه أعلاه.
ثانياً: النظام أتاح التعاقد مع مستشارين وفق حاجة الجهة ويتم ذلك تحت نظر وزارة المالية والجهات الأخرى، فلا يجب أن نبيح أمراً نظامياً ثم نصرح بأنه تجاوزاً أو مخالفة أو صراحةً. الجهات الرقابية مثل ديوان المراقبة حينما تصرح تصريحاً كهذا دون تفاصيل وشفافية كما أشرنا إليه أعلاه تزيد إنزعاج المجتمع من العاملين في القطاع الحكومي، وهو أمر مؤسف تدني نظرة التقدير للقيادات الحكومية المختلفة.
ثالثاً: بعض الأنظمة التي كانت تنظم هذا الأمر يبدو أنه عفا عليها الزمن أو أنه يتم الالتفاف عليها ومن أهمها نظام الإعارة الذي كان ينظم عمل الموظف في قطاع غير قطاعه الأساس. الجامعات السعودية وهي أكثر الجهات التي يستعان بمنسوبيها في الأعمال الاستشارية لم تعد تطبق نظام الإعارة وتستخدم كبديل عنه نظام العقود الاستشارية. وهذا دليل آخر عني أن أنظمة الخدمة المدنية وما في حكمها لم تعد مواكبة أو أنها تحتاج مراجعة.
يتبع..