«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
جلس الرجل السبعيني إلى جواري ويده اليمنى ممسكة بعصاه (الخيزران) في ودٍّ ملاحَظ. وعندما مد له أحدهم بفنجان القهوة نقل عصاه سريعًا إلى يده اليسرى بهدوء، وتناول فنجان قهوته.
كنتُ طوال سنوات أراه في العديد من المناسبات وهو ممسك بالعصا نفسها.
لم أتردد (وبحشرية) في أن أسأله عن نوعية عصاه، وهل هي «خيزران» حقيقي أم نوع آخر؛ ففي هذا الزمن بات التقليد يطول كل شيء؟.. فرد باسمًا: «الله يسامحك يا أبا عبد الله. معقولة أمسك عصا مقلدة! هذه العصا تقدر تقول إنها (ولايتيه) قالها بثقة وباللهجة الشعبية المحببة في المنطقة».
وأضاف بعدما اعتدل في جلسته، وأعاد فنجان القهوة للرجل بعد أن احتسى قهوته: «بيني وبينك، هذه العصا من ورث الوالد - الله يرحمه - ولا أبالغ لو قلت إنها عزيزة عليّ؛ فوالدي عمَّر حتى الـ85 سنة، وكانت رفيقته طوال سنواته الخيّرة بعدما بدأت الشيخوخة تتمدد داخل جسده، ووهن العظم منه؛ فراح يستخدمها، وهاأنذا أستخدمها من جديد».
واستطرد باسمًا، وبانت تجاعيد وجهه واضحة أكثر: «لدي عصي كثيرة، والبركة في الأبناء والأقارب؛ لم يقصِّروا طوال السنوات الماضية؛ أهدوني أكثر من عصا، حتى أم يوسف قالت لي يومًا ما لو تفتح لك متحفًا صغيرًا للعصي في جانب من مجلسنا، على الأقل سوف تجد العديد من الرواد يترددون عليه، ويلتقطون معك الصور التذكارية، بل ربما تأتي بعض القنوات لتجري معك المقابلات، وتصبح (رجل العصي الأول)، لا في المملكة، ولا في الخليج، بل ربما في العالم.
فتضاحكنا وقتها، وقلت: معكِ حق.. تسخرين مني؟! لكن لو أنت وحتى أمثالك من النساء اشتركتن وعملتن متحفًا لفساتينكن وملابسكن التي دفعتن فيها مئات الملايين من الريالات، ولم تُستعمل، بل أنا واثق كل الثقة أن بعضكن - ومع الاحترام لكنّ جميعًا - نسي ما في رفوف خزاناتكن من فساتين وقطع قماش مختلفة وثمينة؟!».
ثم أحسن من وضع غترته، وقال: «لقد أفحمتها، وكانت فرصة أن أعبِّر عما في نفسي، والله يشهد أنني لست بخيلاً ومتحاملاً، لا عليها ولا على النساء في بلادي وغير بلادي، لكن الجميع يلاحظ أن هناك (هوسًا) نسائيًّا في الشراء الدائم للملابس والأقمشة.
ومن كثرة ما هو موجود داخل الخزانات والدواليب فلا عجب أن تنسى الواحدة منهن ما لديها». فقاطعته: «كلامك صحيح، لكن المرأة لا تلام؛ فهي تحب أن تكون دائمًا في صورة أفضل وأجمل أمام زوجها وأفراد أسرتها وأقاربها ومعارفها وصويحاتها».
فهز أبو يوسف يده في غير اكتراث، ثم قال: «نعم، أنا معك فيما قلته، لكن صدقني.. تخسر المرأة جزءًا كبيرًا من راتبها إذا كانت موظفة أو عاملة على شراء الفساتين وغيرها، بل هناك من تدفع شهريًّا مبالغ كبيرة للمشاغل النسائية أو حتى أصحاب محال الخياطة من أجل ذلك.. وكثير منها لا يستعمل للأسف».
مرت لحظات وأنا أستمع لرأي صاحب عصا الخيزران الذي كان - والحق يقال - فيه الكثير من الموضوعية والواقعية المعاشة في مجتمعنا وغيره من المجتمعات.