خالد بن حمد المالك
شئنا أم أبينا، غضب من غضب، ورضي من رضي، فلا يمكن أن يكون تعاملنا مع قطر هو الحب كله، بل ومن المستحيل أن ننظر إليها على أنها دولة متكاملة الأركان من حيث فرض حبها علينا، ولا يمكن أن تكون العين والأذن والمشاعر مريحة نحوها في كل سلوك أو تصرف يصدر منها وعنها، إن تصريحاً أو تلميحاً، وسواء أكان ذلك بهدوء أو بالصراخ الذي تعودناه منها؛ هذه هي قراءتي لقطر، في جانبيها الحب والكره الذي يستولي على مشاعري نحوها، كلما مر طيفها أمام ناظري، أو حرك اسمها سكون مجلس ضمني، أو كانت موضوعاً لحوار عنها مع آخرين بمشاركة مني.
* *
هكذا كان موقفي منها منذ زمن، وتأصل وتجذّر - بالتأكيد - منذ بدأت تتوالى المعلومات منها عن سلوك تمارسه في محاولة من نظامها في وضع دولنا في فوهة بركان، وتأهيلها لتكون من بين الدول الراعية للإرهاب على خطى وكما تفعل الدوحة وطهران، وبقية الدول والكيانات والمنظمات والأفراد الشريرين، غير أن هذا التأصيل لهذه البصمة الإرهابية القطرية كانت تدارى من الدول المتضررة بالحوار والدبلوماسية، بأمل أن يعقل النظام القطري، ويتحمل مسؤولياته في زرع الحب والسلام والأمن في منطقتنا، شريكاً بذلك مع الأشقاء والجيران وتلك الدول المعتدلة في سياساتها، غير أن هذا النظام البائس أصر على أن يضعني والملايين من الناس في خانة المحب والكاره معاً لقطر، لأسباب لا يمكن أن يختلف حولها اثنان.
* *
فقطر التي أشغلتنا بنفسها، وأرغمتنا على أن نقف منها هذا الموقف المتناقض بين الحب والكره، بما لا خيار لأحدهما لنختاره كموقف منا نحوها، هي قطر التي يبدو أنها تستمتع بهذا الضجيج حولها، حتى ولو كان يكشف عورات سياساتها، وعوار تصرفات نظامها، بما لا يمكن أن يكون الموقف منها إلا بهذا التزاوج بين الحب والكره نحوها، وبمثل هذا التناغم من التعامل معها، مصحوباً بشيء من الريبة نحو أجندتها، بحكم أننا نتعامل مع دولة إرهابية بامتياز، وأنه لا يجوز -وقد تأكد ذلك- أن نواصل السير في طريق محفوف بالمخاطر، بعد أن تأكد ذلك لنا من خلال الوثائق والمستندات والتسجيلات الصوتية التي تدين تنظيم الحمدين تحديداً بدعم الإرهاب.
* *
ماذا نحب في قطر، وماذا نكره فيها، من الطبيعي أن يتم رصد ذلك وحصره واستخلاصه من المواقف المشبوهة لقطر، ومن النزوات الخطيرة التي كانت الدوحة مصدراً لإشعال الفتن في منطقتنا وبين دولنا، ما جعلنا مضطرين أن نقف منها أمام موقفين متضاربين، ومتناقضين، وغريبين، مع أن هذين الموقفين يصبحان مألوفين وطبيعيين، عندما نعرف أن النظام الحاكم في قطر هو نظام غريب الأطوار، يتصرف بما يرضي عدونا، ويسيء إلينا، أحياناً نقول إنه عن جهل، وأحياناً أخرى نفسره على أنه جزء من مؤامرة دولية كبرى، وليس هناك أفضل من نظام قطر في تمريرها، بالتدرج، واستخدام الإمكانات، والتضليل، لكي لا يكتشف الأمر إلا بعد أن يستوي المخطط، ويصبح نافذاً.
* *
نحب في قطر النسب والمصاهرة والأرومة، ونكره فيها تخليها عن ذلك بحثاً عن علاقة بالعرق الفارسي كبديل لعروبتها، ونحب فيها خليجيتها، ونبغض فيها انسلاخها من هذا الخليج العربي الدافئ، واعتبار نفسها ضمن دائرة مفهوم طهران للخليج بأنه خليج فارسي لا عربي، نحب فيها تاريخها المشترك مع دولنا وشعوبنا، ونكره فيها تجاهل ذلك واعتباره وكأنه لم يكن إمعاناً في الابتعاد عنا، ونحب فيها أن تكون دولة مسالمة تتعاون مع أشقائها دول مجلس التعاون على توفير الأمن والاستقرار لدول المنطقة، لكننا نكره فيها تحويلها إلى منطقة صراع ومؤامرات ضد دولنا، وحبنا لها يتواصل كلما رأيناها دون أعمال إرهابية تصدر منها، لكن هذا الحب يتحول إلى كره مع كل عمل إرهابي يصدر منها ويوجه ضد مصالحنا، على أن موقفنا المحب لقطر يتجدد كلما رأيناها نظيفة من الكيانات والأفراد الذين يقيمون في قطر للتآمر علينا، بينما يتغير الحال فنكره قطر إذا استمر هؤلاء يخططون للتآمر علينا.
* *
في قطر جوانب كثيرة تحببنا بها، الجوار على سبيل المثال، لكن هذا الجوار يصبح مكروهاً لدينا حين يتحول إلى نافذة للتدخل في شؤوننا الداخلية، وكما نحب قطر لأننا من سلالة واحدة، فنحن نكره فيها دخول عناصر وأبواق همهم قتل هذه العلاقة فيما بيننا، وتحويلها إلى مصدر تنابز وخلافات، وهناك الكثير نحبه في قطر، على سبيل المثال لا الحصر، المواطنون القطريون بأخلاقهم وكرمهم وشهامتهم، لكننا نكره في النظام القطري الخيانة والكذب وعدم الالتزام بالمواثيق والاتفاقيات التي تتم معه، ونحب في أهلنا في قطر تبرؤهم من كل سياسات النظام القطري واستنكارهم لما يصدر عنه، ونكره في قطر إصرار هذا النظام على هذه السياسة دون النظر إلى ما يقوله المواطنون القطريون، ثم أخيراً لا آخراً، نحب في قطر أن تكون دولة مستقلة وذات سيادة، ولكننا نكره فيها أن تكون تابعة لإيران، لا ترفض لها طلباً، ولا تعصي لها أمراً، ولا تتصرف بدون إذن وموافقة منها.
* *
هذا بعض وليس كل ما يحببنا بقطر، وبعض وليس كل ما يكرهنا ويبغضنا بها، كتبناه من واقع المعايشة والمتابعة والرصد لأحداث وأعمال تصدر من الدوحة، وعلى لسان مسؤوليها، وأحياناً من الردود المؤيدة لها من الأعداء، والمعارضة لها من الأشقاء والمواطنين القطريين الشرفاء، خوفاً عليها من أن تنساق أكثر إلى ما يلغي شيئاً مما بقي من حب لها، فمتى نرى دولة قطر الشقيقة بلا كره أو بغضاء؟ متى نراها وقد كساها الحب كله؟ فهي بمواطنيها جديرة بأن تكون ذات صورة جميلة، لا يخدش اسمها وتاريخها ومكانتها وحبنا لها تصور أهوج، وسياسة خرقاء، وأعمال منكرة، وإعلام كريه.
* *
أنا على يقين بأن هذه الغمة لن تطول، وأن هذه السحابة السوداء لن تستمر، وأن الليل القطري الدامس إلى زوال، وأن البقاء فيما قلنا إنه يحببنا بقطر، وأن النهاية -ومن غير رجعة- لما قلنا إنه يبغضنا بقطر، فالتاريخ بحوادثه وتقلباته يعلمنا ويذكرنا بأن الخروج من الأنفاق المظلمة، والتحرر من التسلط الأجنبي على إرادة المواطنين لا يطول، إذ ما تلبث أن تتكشف الألاعيب والمؤامرات والأهداف التي قد يكتنفها شيء من الغموض الآن، ولكنها في الأزمة القطرية بدأت تتكشف وتتضح بما لا قدرة للمسؤولين في قطر على إخفائها، بعد أن تخلت الدول المتضررة عن المجاملات، وأسلوب الحوار، وتدخل الوسطاء، وأصبح نظام تميم أمام المحك في كل تصرف يصدر منه، أو مؤامرة يتبناها، أو إرهاب يدعمه، أو تحريض يصدر منه، أو تدخل في شؤون الدول الأخرى يكون مصدره هذا النظام المتآمر، لذا فإن الدول الأربع على حق حين تتمسك بمواقفها، ولا تقبل أي وساطة لا تلبي تنفيذ شروطها، وعلى قطر مسؤولية أن تستجيب لما طُلب منها، ولا تنساق وراء السراب الإيراني، أو تنخدع بالدعم الأجنبي المتآمر عليها وعلينا.
* *
بعد كل هذا كيف نمنح كل حبنا لقطر، وكيف لا نحمل أي بغض لها، ومتى نشعر أننا أمام نظام يتناغم بالحب مع الأنظمة الشقيقة، متى لا يجد الأشقاء في قطر ما يبغضهم بها، وتكون أمامهم في سياساتها صفحة بيضاء، لا تسود بالإرهاب والتطرف والتحريض، كما يفعل نظامها الآن، ومتى -أخيراً- سنكون على موعد مع دولة قطرية جديدة، شعارها الحب بلا كراهية، ومن غير حقد، وخالية من أي تصرف يدنسها، ويضعها في قائمة الدول المكروهة، بسبب تصرفات حمقاء تصدر من ذوي السلطة والنفوذ والقرار فيها، دون احترام لمشاعر المصرين على حبها، أو تقدير لمن لا يريد أن تُدنس بما يجعل من البعض مضطراً لإعلان بغضه وكراهيته لهذا السلوك المشين.
* *
هذه الأسئلة المهمة جوابها عند نظام الشيخ تميم، فالنظام هو الوحيد -حالياً- القادر على استدعاء الحب لقطر، وهو الوحيد أيضاًَ المتمكن من إبعاد الكره عنها، أما كيف؟! فالجواب بأن يتخلى عن سياسته التي تعتمد على التعاون مع إيران والقوى المعادية الأخرى في نشر الإرهاب والرعب والتطرف والتحريض في دولنا وبين مواطنينا، هذا إذا كان النظام القطري يمتلك القدرة والإمكانية بأن يفعل هذا، وإن لم يكن فالتطورات المتسارعة سوف تفعل فعلتها، ولن تترك مستقبل قطر في خطر وللمجهول.