د. خيرية السقاف
الحجُّ نرشفه منذ الرضاع في حليب أمهاتنا قِواماً, وفي طعمه يقيناً..
في لونه «إحراماً» نقيٌ كماء زلال عذب, طاهرٌ كقلب أمٍّ يُحب ..
الحج لنا مدرسة, تشرع فصولها كلما فُتِحت أبوابه..
فصولها مسارٌ, وعلومها إبحارٌ..
حينا للتأمل, فالجلوس إليها إصغاءٌ, وتمَعُّنٌ, واختزانٌ !!..
لا يُختزل منها فصل في أيامه العشر..
وتُبسط في تواليه, وما يتقدمه أبجديتُه ممتزجة بأربعةٍ يشاد بها بناء اليقين فينا ..
وتضرب الأركان الخمسة أوتادها في الجذور منا, مذ في الأحشاء نُذرُّ بذوراً..
وعلى كفوف الأمهات ننمو أشجاراً!..
الحج قداسة تحتوينا مشاعرها, وشعائرها..
من لحمة أرض البيت العتيق, من جدار البئر المتدفق دهراً,
إلى حصوات مزدلفة, وملمس جبل الرحمة في عرفات,
وصولاً لمنى ووهج الشمس في بهجة العيد والنزول,
إلى المطاف للمسعى,
لمتكأ الرأس في بيوتنا, وكوب الشاي المنعش..
بعد التحلُّل, واستنشاق السلامة..
وتلك الأهازيج تحفنا, انتظاراً لموكب يأخذنا لمسجد المصطفى عليه الصلاة والسلام ..
هناك حيث ننيخ ركابنا, ونطلق عصافير صدورنا, ونحلق حول القبة الخضراء تبتُّلاً لرفقته في الجنان..
الحج لا يغلق مدرسته فينا, حين يكون شروعها نوافذ لا تتوارب,
وأبواباً لا تميل مع الغروب حيث يميل..
مفعمين بالنور, محمَّلين بمصابيحه ..
كلنا في معيّة الحج نسيجاً ممتزجاً بذلك اليقين..
من حدِّ سور الوطن بدءاً, لحدِّه الملتحم به انتهاءً..
الحج فينا سِفرٌ لا ينضب بحره, ولا ينفد رِفدُه..