د.عبدالعزيز بن عبدالرحمن النملة
عاشت الشعوب الخليجية حياة هادئة آمنة مطمئنة، وفي ظل ثقة ومحبة متبادلة مع حكامها، وعلى الرغم من أن تلك الشعوب اتصفت بالقبلية، والتنوّع الثقافي والفكري، وشي من التنوع المذهبي، إلاّ أن حكوماتها استطاعت أن تبني لحمة اجتماعية ذات نسيج متآلف ومتماسك بين الجميع، وظل هذا الوضع الآمن ردحاً من الزمن، وبقيت تلك الحكومات وشعوبها صامدة أمام الأحداث والمكائد والدسائس، ولا يزيدها العداء في كل مرة، إلاّ شدةً وتماسكا..
ولقد شهدت عدد من تلك الدول نهضة اقتصادية وسياسية وتعليمية وثقافية تُعد الأسرع في تاريخ البشرية، مما جعل لها مكانة عالمية، وهيبة إقليمية لا يمكن إغفالها أو تناسيها، وللأسف لم تخل هذه المسيرة من وجود الحاسدين والحاقدين، والذين يسعون دوماً إلى تفتيت تلك الكيانات المتآلفة والنيل منها، وهذا أمر معتاد يلحق عادة بأي نهضة أو تميز يحدثه فرد أو جماعة من المتميزين، ولقد رصدت دول الخليج تلك الحركات المغرضة، والتي يقودها دخلاء الطائفية والجماعات المنحرفة، والذين يتم تعبئتهم سياسياً من قبل دول معادية أو يتم تعبئتهم دينياً من الداخل من طوائف مغايرة، وتنزح الحكومات الخليجية «الحكيمة» كعادتها إلى التعامل معهم بالحكمة، والحنكة، والحزم إذا لزم الأمر.
واليوم حدث غير معتاد، وجنوح من نوع آخر، وغير مقبول، ناهيك أن يكون من غير المعقول، أن تشذ أحد الحكومات «الخليجية» أن تسمح لمسلك مضلل، ومنهج معاكس ومعاد، يهدّد المنطقة، ويتسبب بزعزعة الأمن، ويقلق الجميع شعوباً وحكومات، يقوده دخلاء وأصحاب مناهج متطرفة ومقاصد حاقدة، شهد الجميع على خطئهم وحقدهم، وللأسف بأيدي ثلة محسوبة من بين الأهل والأصحاب! وللأسف مرة أخرى، نجحت هذه الفئة الضالة بوسائل إفسادها الإعلامية الناقمة، مستغلة الأجواء المتعكرة، والاختلاطات الفكرية، والتغيّرات الثقافية، والانفتاح الإعلامي، فظهرت بشعارات جاذبة وأطروحات تبدو متزنة، وتبدو تحاكي هموم الشعوب وحرياتهم، وشيئاً فشيئاً، حتى استطاعت أن تتملك ثقة المتابعين، إلى أن بدأت تقود الآراء والتوجهات وبطرق تبدو منطقية ومقنعة، فتأتي بالمناوئين من دول الجوار، وتصنع منهم رموزاً اجتماعية وثقافية ودينية، مستغلة تلك الثقة التي يتحلّى بها أبناء تلك الشعوب، وهكذا أصبحت تؤلِّب الرأي وتحتضن بؤر الاختلاف، وتغذيها وتنميها وترعى مصالح قادتها، فأصبحوا وسائل إفساد، ومعاول هدم في بلدانهم باسم الحرية، وحرية الرأي، وباسم الحقيقة، والبحث عن الحقيقة، واكتشاف الحقيقة، وشعارات تبدو إنسانية حقوقية، وهي في جوهرها زائفة مظللة، ونتيجة ذلك خلايا تفجير وتكفير وتهجير وإرهاب، ودماء وأشلاء، ولاجئين وخائفين، ومشاهد تجاوزت أن يقشعر لها البدن أو يندى لها الجبين، بل حشية ممقوتة سيكتبها التاريخ ضد بني الإنسان.
لقد جاءت وقفة المملكة العربية السعودية ضد هذا التجاوز الإنساني مسنودة بموقف مماثل من دول الجوار ودول العالم، في وقت نفد فيه الصبر، وأصبحت خطورة الموقف تهدد شعوب المنطقة بأسرها، وفي مقدمتها الشعب القطري، والذي يُخشى عليه من ويلات الحروب، وتقطع الأسباب، والتنكر العالمي، فلا أرض تقله، ولا سماء تظله، في وقت يتم التمسك بالاعوجاج والجنوح في خدمة تيارات نبذتها الديانات، والدول، والفطرة السليمة.. ومأمول أن تستجيب الأطراف لهذا الموقف الحاسم، بل إن تسلّم راياتها بلا تردد ولا تأخر، وإلا فالمشهد مخيف، والمستقبل لا يزال في رؤية غير واضحة، ويبقى الحق واضحاً والصواب لا يحيد، ويبقى الإصلاح سبيل السلام.