ميسون أبو بكر
في كل مرة كنت أتابع فيها عبر نشرات الأخبار في معظم الفضائيات التي تنقل الحدث عن حادثة إرهابية، سواء تفجيرًا أو دهسًا، وقد شاعت الطريقة الثانية في الآونة الأخيرة، كنت أشعر بالرعب، وأهرع إلى هاتفي أتفقد من هم يقطنون المدينة التي وقع بها الحادث من أقرباء وأصدقاء بلوعة وترقب شديدين، وأبتهل إلى الله أن لا يكون صاحب العملية الإرهابية عربيًّا مسلمًا؛ كي لا يزيد حنق العالم على المسلمين الذين أساءت لهم هذه العمليات الإرهابية.
لم يكن يخطر ببالي أني سأعيش التجربة ذاتها؛ فقد قدر الله أن أكون الأحد الماضي في القطار المتوجه من جنيف إلى نيس، الذي يمر بمدن فرنسية وسويسرية عدة، منها مرسيليا حيث توقف القطار نصف ساعة في بادئ الأمر قبل وصوله مرسيليا، وكنا على الجسر المعلق الذي من المعتاد أن يمر عليه القطار بسرعة بطيئة، وعندما طال الوقت بدأ ركاب القطار يتساءلون عن سبب التوقف؛ فأخبرنا الموظف في القطار أن هناك أنباء عن عملية تفجيرية في محطة مرسيليا، المحطة التي تفصلنا عنها دقائق معدودة، ثم تحولت دقائق الانتظار إلى ساعات، أربكت خطة سير القطارات في المنطقة، وخلقت الذعر بين الركاب، ونظرات الريبة إلى العرب الموجودين معنا.
كانت ساعات الانتظار تمثل دهرًا، وكل الأفكار والأسئلة تتسارع في ذهني، ونظراتي تسابقني إلى مرسيليا ثاني أكبر المدن الفرنسية بعد باريس العاصمة، التي يداعب شطآنها البحر المتوسط ذاته الذي يمر ببلداننا العربية في الشمال الإفريقي، والذي تغنى بزرقته الشعراء. مرسيليا التي يعدها الباحثون أول مدينة ذات غالبية مسلمة في أوروبا الغربية، والآن الإرهاب خطر يهددها، ويكسر قلوبنا التي تترقب في مدن الموت مرتكبًا مسلمًا، تطارده السلطات، يقوم بهذا العبث.
مرَّ كل أولئك الذين دكهم الإرهاب الكافر أمام عيني، سواء في حادثة الدهس في نيس في الريفيرا الفرنسية حيث دهستهم بالمئات شاحنة أمام المتوسط، أو في برشلونة وباريس، ثم في مطارات ومحطات مختلفة في العالم، ووجدت في مقال غسان شربل ما أنهي به مقالي هذا الذي أكتبه وأنا أكثر أسفًا على ما وصل عليه هؤلاء الإرهابيون وعالمنا الملطخ بأفكارهم: «أعرف تمامًا أن الرجل الذي دهس السياح هنا أو هناك لا يمثل البلد الذي جاء منه، وأنه لم يحصل على إذن رسمي بارتكاب جريمته، وأن خطورته على مسقط رأسه تفوق خطورته على مسرح الجريمة البعيد.. مشهد السياح ينزفون حتى الموت بفعل ارتكاب وافد من عالمنا يوقعني في ارتباك شديد.. وأشعر بواجب الاعتذار لعائلة صيني صودف وجوده في برشلونة، أو ياباني خطر بباله أن يتنزه في نيس، أو ألماني ارتكب زيارة للأقصر».
الإسلام براء من هؤلاء أعداء الحياة والإنسان.