أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: في يوم الاثنين المبارك 22-11-1438 هـ بعد صلاة الفجر مباشرةً كنتُ اسْتَمِعُ إلى برنامجٍ في قناة الحدثِ تخشع له القلوب عن عهدِ عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه للأقباط (؛ الذي هو عهدُ رسول الله ؛ ثم عهدُ أبي بكر الصِّديقِ، فعمرُ رضي الله عنهما، وعهدُ كثيرٍ مِن أصحاب رسول الله رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم.. إلا أنه أحزنني ما في هذا البرنامج الخَشُوعِ من إسقاطٍ، كما أحزنني أنَّ عدداً من حلقاتِ هذا البرنامج الجديد لـ (أدونيس) وجماعتِه من باطنيَّةِ النُّصَيْرِيَّةِ الأقذار؛ إذْ يتنفَّس كلُّ واحد منهم بِـمِلْىءِ رئتيه بأحقادِهم وأحقاد بشار الجحش وأبيه ضد الإسلامِ وأهله ، وضِدَّ الحقائقِ التي بها صلاحُ العباد والبلاد؛ لهذا أُبَيِّن الآن بصدقٍ وإخلاصٍ ما شانَ ذلك البرنامجَ مِن إسقاطٍ؛ ببيانٍ مُوْجَزٍ عما ورد من توصية رسول الله بالأقباط مكتفياً الآن بذلك، مؤَجَّلاً ما يتعلَّق بالإسقاط في حديث قادمٍ إن شاء الله تعالى؛ فقد صحَّ عن رسول الله أنَّه أوصى عند وفاته؛ فقال: ((اللهَ اللهَ في قِبْطِ مِصْرَ؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عُدَّةً وأعواناً في سبيل الله))؛ وذلك برواية أم سلمة رضي الله عنها.. وفي حديثٍ آخرَ من رواية أبي ذر الغِفاري رضي الله عنه في صحيح مسلم قال: ((إنكم ستفتحون مِصْرَ؛ وهي أرضٌ يُسمَّى فيها القيراطُ؛ فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها؛ فإنَّ لهم ذِمَّةً ورحِـماً (؛ أو قال : ذمةً وصِهْراً)؛ فإذا رأيتَ رجلين يختصمان فيها في موضع لَبِنَة، فاخْرج منها.. قال: فرأيتُ عبدَالرحمن بنَ شرحبيلَ بنِ حسَنة وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لَبِنَة؛ فخرجتُ منها.. وفي عهد عمر رضي الله عنه لأهل (إيليا) قال: ((بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أعطى عبدُ الله أميرُ المؤمنين أهلَ (إيلياءَ) من الأمان.. أعطاهم أمانـًا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصُلْبانهم، وسقيمِها وبريـئِها، وسائر مِلتِها: أنه لا تُسكن كنائسُهم، و لا تُهدمُ، ولا يُنتقص منها ولا من خيرها، و لا من صَليبِهم، ولا من شيءٍ من أموالهم، ولا يُكْرهون على دينهم، ولا يُضامُ أحدٌ منهم، ولا يُسكنُ بـ (إيلياءَ) معهم أحدٌ من اليهود.. وعلى أهلِ (إيلياءَ) أنْ يُعطوا الجزيةَ كما يُعطي أهلُ المدائنِ، وعليهم أنْ يُـخرجوا منها الرومَ واللصوصَ؛ فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يَبْلغوا مأمنَهم، ومن أقام منهم فهو آمن..وعليه مِثُل ما على أهل (إيلياءَ) من الجزية.. ومَن أحبَّ من أهل (إيلياء) أنْ يسيرَ بنفسه وماله مع الروم، ويخلِّـي بِيَعهم وصُلُبَهُمْ؛ فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِـيَـعِهم وصُلُبِـهُمْ حتى يبلغوا مأمَنَهم.. ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتلِ فلان: فمن شاء منهم قعد وعليه مِثلُ ما على أهل (إيلياءَ) من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله؛ فإنه لا يُؤخذُ منهم شيءٌ حتى يُـحصد حصادُهم.. وعلى ما في هذا الكتابِ عهدُ الله؛ وذمةُ رسوله، وذمةُ الخلفاء، وذمةُ المؤمنين إذا أَعطوا الذي عليهم من الجزية.. شهد على ذلك: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وكُتِب وحُضِر سنة خمسة عشرة)).
قال أبو عبدالرحمن: نِعْمَ الشهودُ رضي الله عنهم؛ والإسقاطُ الذي أعْنيه لا يَذْكُرُ الجزيةَ، وأنَّ مَن كَبُرَ وعجِز عن دفع الجزية فعلَى المسلمين وجوباً أنْ يقوموا بشأنهم، ويُنْفِقوا عليهم؛ لأنَّ المسلمين دُعاةٌ لا جُباةٌ.. ولقد تقصَّى (محمد حميد الله حيدر آبادي الهندي) [1326-1424هـ] في كتابِه (مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة) العهودَ، وخرَّجها بتحقيقٍ وتدقيق ؛ وكلُّها يُـحقِّقُ معنى التواتُرِ؛ وفي الصحيحين للمتعجِّلِ كفايةٌ؛ وقد بينتُ كثيراً في بحوثي أن كَفَرة اليهود أشدُّ عدواةً للنصارَى من عداوتِهم المسلمين؛ وليس ذلك عن إيمانٍ منهم بأنَّ ما جاء به محمد هو الحقُّ؛ وهم يعلمون ذلك؛ بأنَّه الحقُّ في قلوبهم، ولكنهم جحدوا ما استيقنُوه اتِّباعاً لأهوائهم .. ولقد رَأَوْا في هذا الزمان ضَعْفَ المسلمين بمُقابلِ قوةِ النصارى وهيمنَتِهم على المعمورة بمخترعاتهم الجبَّارة التي تتنامَى في كل عام؛ فحسدوهم ؛ فكانوا يكيدون لهم في السِّرِّ، وينافقونهم في العَلن، ويتقرَّبون إليهم حتى حَوَّلُوهم إلى سَبْتِيّْيِنَ بتسميةٍ نصرانية وعقيدةٍ يهودية.. ومع هذه العهود التي أسْلفتُها فقد أورد البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه ثناءَ عمرو بن العاص رضي الله عنه على عُموم النصارى (؛ وكان بهم خبيراً): أنهم أسْرعُ الناس فيئةً بعد مصيبة، وأنهم أبْعد الناس عن ظلمِ الملوك.. إلخ؛ وهذا بخلاف النصارى في بعض البلدان؛ فإنهم تربَّوا على تضليلِ اليهود؛ فكانوا أشدَّ عِداءً للمسلمين بخلافِ ما كانوا عليه كما في سورة المائدة.. مع أن الله سبحانه وتعالى بعد ثنائِه عليهم: حذَّرهم تضليلَ اليهود، وأنَّ النصارى نسوا حظاً مما ذُكِّروا به.
قال أبو عبدالرحمن: الجزيةُ التي فرضها الله سبحانه وتعالى بشرطِ الصغارِ كانَتْ رحمةً لهم؛ ليختاروا الإيمانَ بالله ربِّ الكائِناتِ سبحانه وتعالى؛ فتكونَ لهم الحياةُ الطَّيِّبَةِ في دنياهم، والنجاةُ مِن النار والفوزُ بالجنَّةِ في أُخْراهم.. وأمَّةُ الإسلامِ أهلُ دعوةِ الإجابَةِ دعاةُ خيرٍ حريصون على إنقاذِ أنفسِهم، وإنقاذِ الناس من عذاب الله بلا استثناء؛ ولهذا حديث يأتي بحولِ الله؛ فإلى لقاءٍ في السبتِ القادِم إنْ شاء الله تعالى, والله المُستعانُ.