خالد بن حمد المالك
جمعتني بالفقيد أخي الشيخ عبدالمحسن عبدالله المطلق مناسبات في الداخل والخارج، وعلى محدوديتها، فقد تعرفت على جوانب كثيرة مضيئة في شخصية هذا الرجل: التواضع والأريحية والكرم وحديثه العذب الذي لا يمل، والأهم أنك لا تسمع منه كلمة لغو، أو يتحدث بما يفهم أنه يستغيب أحداً إلا بما هو كلام جميل ومنصف، فيما ينأى بنفسه أن يقول أو يستمع بما يخالف خلقه وتربيته وبما يعرفه الناس عنه من تقدير للآخرين، وتواضع معهم.
* *
عندما علمت بمرضه الذي عانى منه طويلاً لأول مرة، وتابعت تطوراته من حين لآخر مع أخي وصديقي شقيقه ورفيق عمره الأستاذ الكبير مطلق عبدالله المطلق، كنت أشعر بألم وحزن أحاول أن أخفيهما عن أبي طارق، حتى لا أزيد في ألمه وحزنه وأوجاعه، فقد كان الراحل الكبير أخاً وصديقاً وعضداً له في إنشاء شركاتهم، ورفيقه في السفر والإقامة، رغم أن عبدالمحسن يقيم في الخبر ومطلق يسكن في الرياض، إلا أن أبي بدر لا يغيب عن زيارة شقيقه في الرياض، وأبي طارق لا يتأخر عن زيارة شقيقه في الخبر، حيث إنّ السكن والإقامة لكل منهما يكون في منزل الآخر عند أي زيارة أحدهما للآخر، كما أن أصدقاء الفقيد هم أصدقاء مطلق المطلق في كلٍّ من الرياض والخبر وفي غير هاتين المدينتين.
* *
هذه العلاقة الأخوية والصداقة ورفقة العمر التي اتسمت بهذه الروح، امتدت إلى الأبناء، وخاصة بين بدر العبدالمحسن المطلق وطارق مطلق المطلق، بل وحتى بين البنات لكل منهما، ما جعلني أنظر إلى هذه الأسرة الكريمة بكثير من التقدير، حيث لا تغيب عن أداء الواجبات بالزيارات والاتصالات، كلما كانت هناك مناسبة أفراح أو عزاء، فهما مع أبنائهما لا يغيبون، ويحرصون على أن يقوموا بالواجبات حين تكون هناك مناسبات أو لم تكن، بما حبب الناس بهم، وقربهم إليهم.
* *
في تجارتهم، تعاملوا مع كل الظروف، وحسبوا لكل شيء حسابه، وأعطوا للمتغيرات في الحياة حقها من الاهتمام، ونظموا بهدوء نشاطاتهم التجارية، دون اهتمام بالإعلام، أو التركيز على المظاهر والشكليات، وحددوا أهدافهم بالقبول بمبدأ القناعة، وعدم الانسياق وراء المغامرات، ومنتقين من الفرص المتاحة ما يلبي استمرار نشاطاتهم دون تهور، مع البعد عن كل ما يصرفهم عن تخصصهم مهما كانت المحفزات، هذا ما كنت ألمسه، ولا أدري هل تقديري وقراءتي في مكانها الصحيح، أم أن ما ظهر لي لا يعبر عن كل ما يمكن أن يقال عن رجلي أعمال ناجحين هما عبدالمحسن ومطلق من كلام يستحقه الميت والحي منهما.
* *
هذه محاولة قاصرة لما يمكن أن أقوله عن الشيخ عبدالمحسن بن عبدالله المطلق - رحمه الله - لكن القصة الحقيقية بتفاصيلها عن الراحل الكبير يرويها كفاحه المبكر وعصاميته في بناء تجارته مع والده رحمه الله وأشقائه مطلق ومحمد وسليمان رحمه الله، ففيها الكثير من العبر والدروس، لكني لست المؤهَّل لكتابة هذه القصة المثيرة التي يحسن بالصديق العزيز مطلق أن يكتبها ضمن سيرة والده ليستفيد منها كل من يريد أن يقتحم ميداناً من ميادين العمل والتجارة، ويحقق فيها السمعة الطيبة وليس المال الكثير، كما كان ذلك منهج وسياسة وفلسفة الأشقاء عبدالمحسن ومطلق ومحمد وسليمان وقبلهم الوالد، كما يقول بذلك كل من التصق بالأسرة منذ بداياتها، التي لا أدعي أني أعرف الشيء الكثير عنها.
* *
إنّ فقد الرجال النبلاء كعبدالمحسن المطلق (أبو بدر) خسارة جسيمة لأهله وذويه وأصدقائه، لكنها إرادة الله، وسنته في خلقه، والحياة كما نردد دائماً قصيرة جداً، والدنيا كما هي دار مرور، حيث يكافح ويجالد ويعمل فيها الإنسان بما يرضي ربه، إذ لا يبقى له منها وفيها إلا الذِّكر الحسن، والسمعة الطيبة، والأثر الجميل، وأحسب أن أخي عبدالمحسن عبدالله المطلق، كان هذا الرجل، فرحمه الله، وعوضه داراً خيراً من داره، وجمعه مع والديه وأفراد أسرته وأصدقائه ومحبيه الجنة التي وعد بها رب العالمين عباده الصالحين، وألهم شقيقه مطلق وشقيقه محمد وابنه بدر وبناته وزوجته وكافة أفراد الأسرة الكريمة الصبر والسلوان.