خالد بن حمد المالك
هناك على ما يبدو غليان في قطر، الناس هناك ضاق بهم الصبر على سياسة نظام تميم، فلم يعودوا قادرين على تحمل كل التطورات التي قد تعرض قطر للخطر، وبدأت الأصوات تتعالى معلنة عن ضيقها من المغامرات غير المحسوبة نتائجها في إدارة الدولة، وفي التعامل مع الدول الشقيقة، وبدأ الداخل يتململ، ويرسل إشارات إلى النظام بأن ما يجري غير مقبول، وأن العناد والمكابرة والإصرار على الوقوف في الموقف الخطأ، دون الالتزام بأبجديات العلاقات مع الآخرين، بقوانيها وثوابتها وتقاليدها وأخلاقياتها وصدقها غير ملزم لهم كمواطنين، ما يعني أن دولة قطر تمر الآن بمنعطف خطير.
* *
المواطنون ضاقوا ذرعاً، وبدأوا يشعرون بأن مؤامرة كبيرة تخطط للإيقاع بقطر، وأن الأعداء لم يعودوا يحيطون بها من كل جانب فقط، وإنما نجحوا في التغلغل إلى العمق، وفي مراكز القرار، لوجود تسهيلات وقبول من النظام بهم، بذريعة أنهم عرب ومسلمون، ولا توجد شائبة في تصرفاتهم على أنهم إرهابيون أو متطرفون، وبالتالي، فقبولهم يأتي على حد زعم النظام على أنهم إخوة محبون لقطر، حريصون على أمنها وسلامتها، وأن استقرارهم في قطر لا يشكل خطورة على أمن واستقرار الدول الشقيقة التي أخذت بقرار قطع العلاقات مع قطر، وتالياً قفل الحدود معها، في إجراء غير مسبوق في العلاقات الخليجية، مما جعل أزمة قطر تتصدر وسائل الإعلام بالتحليل والتوقعات والتدخلات.
* *
وما يقوله النظام القطري حول حقيقة تواجد هذه القوى العدوانية في الدوحة، هي أكاذيب لم يصدقها المواطن القطري، وروايات قطرية تتضارب مع الحقائق التي أعلنتها الدول الأربع موثقة بما يدين نظام تميم في ممارسة الإرهاب ضد جيران قطر وأشقائها، وبين أكاذيب النظام في قطر، والحقائق التي يتوالى صدورها من المملكة والإمارات والبحرين ومصر، فقد وجد المواطن القطري نفسه أنه يُستغفل من النظام، وتمُرر عليه معلومات غير صحيحة، وأن ما تردده وسائل الإعلام القطرية أو المحسوبة على قطر هي مزاعم يقوم بإعدادها والترويج لها نفر من المقيمين في قطر، مشكوك في نواياهم، لمواجهة الإدانات الموثقة ضد قطر، وأن من يديرون هذه المعركة القطرية المفتعلة هم من غير القطريين ضد الدول الشقيقة، وأنهم لا يجدون ولا يمتلكون ما يواجهون به الحجة بالحجة، إلا تمرير هذه القصص والروايات والأخبار الملفقة.
* *
لكن التسريبات التي تأتي من الدوحة، وتصل إلى المتابعين للأزمة القطرية، وإن كانت الآن لم تصل إلى حدها الأعلى بالنسبة لاحتجاج المواطنين على ممارسات النظام القطري المتهورة، وإصراره على مواجهة هذه العاصفة المؤثرة على الوضع في قطر، إلا أنها بدأت تتشكل، وتأخذ أبعاداً بأكثر مما تقدره قوى الحماية الإيرانية والإسرائيلية والتركية لنظام تميم، حيث يشكل تحرك المواطنين لمنع النظام من الاستمرار في سياساته قوة لا يمكن لأي قوى خارجية أن تحول دون تحقيق المواطنين لأهدافهم، حتى ولو كان هذا التحرك بصدور عارية، وبمظهر سلمي، أمام القوى الأجنبية المعادية لتطلعات المواطنين.
* *
نحن لا نريد أن يصل الأمر بقطر إلى ما يؤثر على الأمن والاستقرار فيها، ولا تدفعنا المواقف السلبية والعدوانية لنظام تميم بأن نتمنى أن نرى أي مظهر غير مألوف في حركة الشارع القطري، لكننا في ذات الوقت نتمنى على أمير البلاد وبقية أركان الأسرة الحاكمة أن تتدبر أمورها، وتعالج أوضاعها، وتوقف هذا النزيف من المواقف الإرهابية التي تصدر من الدوحة، وتمس أمن ومستقبل دولنا، وقبل ذلك تعرض الأمن القطري إلى الخلل والفوضى، وعدم القدرة لاحقاً بالسيطرة على المظاهر السلبية غير المعتادة في هذه الدولة الصغيرة، خاصة وأن أي إجراءات احترازية قطرية كالاستعانة بالقوى الأجنبية لإحكام السيطرة على أي تحرك في الشارع القطري، لن يفيد النظام، إذا ما ارتفع هدير أصوات المواطنين مطالبين بتصحيح الوضع المتأزم في قطر ومع جيرانها.
* *
نحن نقول بصدق ومحبة، إن كل ما نتمناه أن يعالج نظام تميم التطورات السلبية في البلاد بحضور الحكمة والرؤية الصحيحة والتعامل المرن والواقعية في القرارات، وتفهم النظام لمطالب المواطنين وكذلك الأشقاء، حتى ولو تطلب ذلك التخلص ممن وضعوا أنفسهم في خدمة نظام تميم من غير القطريين، طالما أنه قد تبين لأمير البلاد أن هؤلاء مخادعون، ويتآمرون على دول المنطقة، ويزرعون ما يؤجج الخلافات فيما بينها، مثلما رأيناه في هذه الأزمة وأزمات قطرية سابقة، الأمر الذي يجعلنا في مكان الناصح المخلص للنظام القطري، لا المتعدي أو المحرض عليه، فأغلى ما نتمناه أن نرى قطر دولة معتدلة لا دولة إرهابية كما هي الآن.
* *
وإذا كان الشيخ تميم يستبعد كل شيء من هذه التسريبات، اعتماداً على الاستخبارات الأجنبية والقوى الأجنبية الفاعلة على الأرض القطرية، فعليه أن يقترب ويتقرب من المواطنين ليعرف حجم الغضب من السياسات التي تورطت قطر بممارستها، وليعرف أكثر أن المواطن القطري الصامت لا يرضيه أن تكون قرارات قطر مرهونة بما تمليه وتصادق عليه إيران، أو بما يمرره من زُرعوا في مفاصل الدولة من غير القطريين كاستشاريين وكفاءات وخبراء، بينما هم ليسوا كذلك، وإنما يؤدون أدواراً استخباراتية للإيقاع بدولة قطر مع أشقائها، ومن ثم التخلي عنها بعد أن يصلوا إلى ما يحقق أطماعهم، ويستجيب لأهدافهم، في غفلة أو جهل أو حسن ظن من النظام بهؤلاء المتآمرين على قطر وعلى دول المنطقة.
* *
وإن ترديد وسائل الإعلام القطرية، وتلك الممولة منها، بأن المواطنين يجددون البيعة والولاء للشيخ تميم بن حمد، لا يغير شيئاً، ولا يخفي الواقع، ولن يمنع تسريب المزيد من المعلومات عن أي تطور جديد يأتي في ظل أزمة قطر المستحكمة، وأن الصحيح لمواجهة ذلك، إنما يأتي بالاعتراف، والتسليم بالحقائق، والعمل على ما يستجيب لتطلعات الدول الشقيقة ومواطني دولة قطر، وذلك بالتجاوب والتفاعل مع حركة المواطنين الناصحة للنظام، وبالنأي بقطر ونظامها عن أي خلافات مصطنعة، سواء مع المواطنين أو مع الدول الشقيقة، واعتبار ما يحدث الآن خطأ جسيماً ارتكبته الدوحة، وعليها أن تتراجع عنه، وتصححه، وتقدم الدليل على أنها لن تكرره، ولن تعود إليه، وأنه لا مكان في قطر بعد اليوم لمن ورطها في هذه الخلافات والأزمات.
* *
ربما لا يرى النظام أن ما يفعله يستوجب احتجاج المواطنين وغضبهم، لكونه لا يسمع إلا صوت الأجنبي، ولا يثق إلا بما يقوله هؤلاء، وربما رأى النظام أن الوقت أصبح متأخراً لأي معالجة بعد أن غرق في كل هذه الأزمات، غير أننا نقول إن التمادي والانغماس أكثر في القبول بالمؤامرة على قطر وتبنيها، بحجة أن سياسة قطر السياسية والإعلامية والمالية تصنع منها دولة لا تقوى على الإضرار بها قوى أخرى، هو تسطيح لأزمة قطر، إذ إن أي دولة حين تكون في حالة دفاع عن النفس فلن يمنعها استعانة قطر بقوى أجنبية من التصدي لأي شرارة عدوانية يمكن أن تصل إلى أي من الدول الشقيقة، وذلك عبر التخطيط المنظم أو الخطأ القطري من أن تدافع الدول عن مصالحها، وبالتالي، فعلى نظام تميم أن يكون على مستوى المسؤولية، وأن يتحمل مسؤولياته، بما لا يضر جيرانه، أما ما يتعلق بالشأن الداخلي، فهذه مسؤولية المواطنين القطريين، ولا شأن لغيرهم بالشؤون الداخلية لقطر.
* *
هل بعد كل هذه التطورات، سيبقى نظام تميم متشبثاً بمواقفه، مذعناً لما تقوله له إيران والقوى الأجنبية الأخرى، أم أنه وقد انكشف كل شيء، وبان ما كان غير معلن عنه، وأن حجم تضرر قطر جاء بأكثر من كل التقديرات المسبقة لتنفيذ جرائمها، سوف يجعل من النظام في حالة مراجعة جادة وصادقة لكل ما أثار هذه الأزمة، وجعل سقفها عالياً مقارنة بكل أزمات قطر السابقة، ما هو واضح لي أن الدوحة إلى الآن تميل إلى التصعيد، وأنها لا تزال تسير في طريق محفوف بالمخاطر، دون أن تصغي لوجهات نظر ونصائح العقلاء في هذه الأمة، وفي العالم.