م. خالد إبراهيم الحجي
إن المقالات الصحفية والبرامج الإعلامية التي تتحدث عن تنبؤات المستقبل أو استشرافه تعتمد اعتماداً كلياً على أخذ الدروس من أحداث الماضي، واستلهام العبر من التاريخ مع قراءة الواقع المعاصر قراءة واعية وسليمة، وتحليل المعلومات المتاحة تحليلاً دقيقاً للوصول إلى رأي صحيح.
وهناك الكثير من المؤسسات الصحفية والإعلامية على استعداد كبير لدفع المبالغ الطائلة للحصول على المعلومات الدقيقة؛ لأنها تعلم أهمية المعلومات الصحيحة والدقيقة للحفاظ على مكانتها المرموقة مع باقي المؤسسات الأخرى.
والحديث عن مستقبل الطائفية في الشرق الأوسط على وجه الخصوص يتطلب التحليل الرصين الذي يعتمد على الحقائق الواقعية، وليس المشاعر العاطفية.
لذلك يجب على كل كاتب صحفي أو رجل إعلامي أن يبتعد عن الكسل والخمول، وأن يتحرك حسب المعايير الصحيحة في البحث عن المعلومات الدقيقة، وكشف الحقيقة، وأن يكون دوره فعالاً ونشطاً ليسهم في القضاء على الطائفية البغيضة التي تفكك المجتمع وتزعزع أمنه واستقراره، وتضعف قوته، ويساعد في صنع النهضة الحديثة ولا يرضى بأقل من ذلك.. ومن هذا المنطلق فإن الحديث عن مصير الطائفية في الشرق الأوسط يتطلب وضع النقاط على الحروف، دون حساسية أو مجاملة أو مداهنة؛ لأنه موضوع حساس وشائك جداً لارتباطه بالأحزاب السياسية، والمذاهب الدينية والأجناس العرقية والأديان السماوية، والأنظمة الدولية المختلفة في إقليم الشرق الأوسط على حد سواء؛ كما نشاهد آثارها على أرض الواقع في المنافسات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية بين الدول المختلفة التي تسوِّق لديناميكية الشرق الأوسط. وهي أخطر بكثير جداً من مجرد الانقسام السني الشيعي.
والطائفية في الشرق الأوسط حقيقة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها كما أنها خطيرة لا يمكن السكوت عنها؛ لأن إقليم الشرق الأوسط من أشد مناطق الصراعات وأكثرها تعقيداً في دول العالم.
فكما يوجد طائفية بين السنة والشيعة، يوجد أيضاً انشقاقات عديدة بين أهل السنة أنفسهم سواء كانوا عرباً أو أكراداً.
كما يوجد أيضاً توتر شيعي عرقي عربي فارسي بين العراق وإيران على الرغم من اتحادهم في المذهب الشيعي على أرض الواقع.
وكثير من الشخصيات الدينية والقيادات السياسية في الشرق الأوسط تستثمر التوتر الطائفي بالإضافة إلى بعض العوامل المساعدة الأخرى لممارسة النفوذ والبقاء في السلطة، ولكن هذا الاستثمار ستقل أهميته بشكل ملموس عندماأتي الوقت المناسب، ويتم تفعيل التحولات الدبلوماسية والتطورات السياسية الجديدة التالية:
(1): الانفراج السعودي - الإيراني: فمع الذوبان الدبلوماسي والسياسي ستقل الانقسامات المذهبية وستضعف التوترات الطائفية، وستنصرف جهود الدولتين إلى المجاراة والمزاحمة في ميادين المنافسة الاقتصادية والعلمية بدلاً من الصراع العسكري المستمر.
(2): التحولات في الحرب الإقليمية: لأن إيران تجد الطائفية مفيدة جداً لتعبئة قوات المليشيات الشيعية لتثبيت بشار الأسد في سوريا، ومحاربة داعش في العراق، ودعم حزب الله في لبنان، وتقوية الحوثيين في اليمن.
ولكن مع انحسار هذه التهديدات، ربما تغض القيادات الإيرانية النظر عن دعم الطائفية، وتركز اهتمامها على الأمور الداخلية، وتحسين البنية التحتية وتعدد موارد الدخل وتحسين الأوضاع السياسية، خاصة بعد أن بدأ الشعب الإيراني يركز بشدة على مساوئ الحكم في الداخل الإيراني.
(3): تطبيق وتفعيل سياسة التعاون الإقليمي بدلاً من الخلافات السياسية والانقسامات المذهبية والصراعات الطائفية؛ لأن كثيراً من الشخصيات الدينية والقيادات السياسية في الشرق الأوسط قد أصبحت في ظل التحديات الاقتصادية المتدهورة تحت ضغوط شديدة من قبل الجماهير الشابة المختلفة، وهذا الوضع الجديد يمكن أن يساعد في تجنب التهميش لبعض الأقليات المختلفة ويكافح أشكال التطرف بأنواعه التي قد تؤدي إلى حدوث انفصال بين السنة والشيعة.. وهذه التحولات الدبلوماسية والتطورات السياسية الجديدة ستجبر تلك الشخصيات الدينية والأنظمة السياسية على التخلى عن الأجندات الطائفية لتعزيز مصالحها والحفاظ على بقائها.
الخلاصة:
إن الفتن التي تتستر خلف قناع الدين تجارة رابحة خلال مراحل التراجع الفكري للمجتمعات، وأشدها خطراً الطائفية مقبرة الأوطان.