محمد سليمان العنقري
نشرت جريدة الرياض خبرًا عن توصية رفعتها «لجنة الإسكان» بمجلس الشورى، تطالب فيها صندوق التنمية العقارية بدراسة أنواع القروض والمبادرات المطروحة لمعرفة مدى إقبال المواطنين على بعضها، وإحجامهم عن بعضها الآخر، وإيجاد الحلول التي تقف في وجه تنفيذ البرامج والمبادرات، مطالبين بدعم الصندوق، وتحسين تحصيل الأقساط من المقترضين، والعديد من المطالب الأخرى.
إن طلب الدراسة يُعدُّ غريبًا جدًّا؛ فيفترض أن لدى لجنة الإسكان بالشورى تفاصيل وافية عن برامج ومنتجات الصندوق، فهل التقارير التي تُرفع للمجلس عن الصندوق لا يوجد فيها شرح وتفاصيل هذه المنتجات؟! وهل ناقشها الشورى سابقًا؟ فهذه المنتجات منشورة بتفاصيلها منذ فترة طويلة، وتم تحليلها ونقدها بوسائل الإعلام كثيرًا. ألم يعلم أعضاء اللجنة الموقرون أن الصندوق توقَّف لقرابة عامين من منتصف العام 2015م حتى يطلق منتجاته الجديدة، مثل «التمويل المدعوم، والقرض المعجل.. وغيرها»، إضافة إلى تغيير واسع بشروط الإقراض وملاءة المقترضين؛ فالصندوق لم يعد كما كان سابقًا، وآليته اختلفت وباتت أقرب للبنوك التجارية.
فالمنتجات المطروحة حاليًا لم تلقَ قبولاً لأسباب كثيرة، أُشبعت طرحًا وتحليلاً من قِبل المختصين؛ فكان من المفترض أن يتفاعل المجلس من خلال لجنة الإسكان مبكرًا؛ كي لا يبدو أنه بعيد عن قطاع حيوي وملف كبير بأهميته وحجمه.. فما هو دور اللجنة إذًا؟ هل هي بعيدة عن واقع قطاع الإسكان؟ وهل سبق لها أن طلبت إيضاحًا عما جرى من تعديلات جذرية بعمل الصندوق العقاري، خفضت كثيرًا من دوره بسوق التمويل، رغم أنه الذراع الكبرى برأس مال 192 مليار ريال، يفوق رؤوس أموال البنوك التجارية المحلية مجتمعة؟ ألم يعلم أعضاء اللجنة أن الصندوق لم يعد له الكلمة الفصل في الإقراض لمن تصدر الموافقة لهم وفق منتج التمويل المدعوم؛ فالقرار هو للممولين التجاريين (بنوك وشركات)؛ ولذلك لم يستفد إلا 12 %؟ فماذا بقي من قوة وتأثير للصندوق وهو لم يعد طرفًا ملزمًا للممول بمنح القرض للمستفيد؛ إذ بات يخضع لمعايير الإقراض التجاري؛ وهو ما أفقد الكثيرين فرصة الحصول على السقف الأعلى للقرض عند 500 ألف ريال؛ فمن تجاوز عمره الخمسين عامًا أو أقل بقليل لن يحصل على السقف الأعلى؛ لأنه ملزم بالسداد لسن 60 عامًا، ونسبة الاستقطاع 33 %؛ ما يعني أنه قد لا يحصل إلا على مبلغ بسيط، لا يكفي لتأثيث منزل وليس شراءه؟!! فوزارة الإسكان معترفة بارتفاع أسعار الوحدات المعروضة بالسوق، وأن شريحة كبيرة من طالبي السكن لا يمكنهم تملُّكها لارتفاع أسعارها قياسًا بدخلهم، وعدم قدرتهم على الحصول على قرض يكفي لشرائها؛ لتأتي آليات الصندوق الجديدة، وتشكِّل عامل ضغط أكبر، حيَّد الكثير عن الاستفادة من القرض نظير نسبة الاستقطاع العالية قياسًا بما كانت عليه الاستقطاعات سابقًا، التي تبلغ 1600 ريال شهريًّا، ومدة السداد 25 عامًا، وإعفاء لأول عامين، وخصم 20 % من كامل القرض لمن يلتزم بالسداد.. فهذا التغيُّر الكبير بدور الصندوق خفَّض حجم المستفيدين كثيرًا، فأين لجنة الإسكان بالشورى من كل هذه التغيُّرات التي مرَّ عليها فترة طويلة، وآثارها ظاهرة للجميع؟
مجلس الشورى من خلال لجنة الإسكان يمكنه عمل الكثير للتحقق من أسباب تراجع دور الصندوق بسوق التمويل في الوقت الذي لا يمكن تعويض دوره بسهولة وبهذه السرعة؛ فالآليات التي تم اعتمادها من الصندوق تُعد نظريًّا حلولاً جيدة، لكن عمليًّا بانت ثغراتها وبُعدها عن الواقع، وأدت لخلل كبير بسوق تمويل الإسكان، لا يمكن معالجته إلا بإعادة هيكلة الصندوق ومنتجاته وتعديلها بما يناسب وضع المتقدمين، ويحد من تحويلهم للممولين التجاريين بهذه الشروط التي لن يحتاج معها أي فرد إلى الصندوق؛ لأنها متاحة من البنوك مباشرة.. فماذا يقدم الصندوق من حلول لتمويل سوق الإسكان إذا كان لا ينظر للنتائج السلبية قبل وقوعها، ويستعد بالحلول مبكرًا؟ إلا أن الأهم هو أن يكون لمجلس الشورى دور فعّال أكبر بمناقشة سياسات الصندوق وبرامجه قبل أن تعتمد؛ حتى لا يضيع الكثير من الوقت حتى اكتشاف الخلل فيها؛ ليتم تجنب تكاليف باهظة من جراء تأخير حلول تمويل الأفراد؛ ليتملكوا سكنهم ببرامج تمويلية مريحة ومناسبة.