د. محمد عبدالله الخازم
نواصل الكتابة حول تقرير ديوان المراقبة المثير للانتباه برقمه الكبير حول حجم الاستشارات الحكومية. وقد بدأنا ببعض الخلفيات حول الاستشارات، ونكملها في مقال اليوم.
رابعًا: أحد المداخل لزيادة دخل القياديين بالقطاع أصبح يأتي عبر الشركات التي أسست بعض الجهات؛ إذ أصبحت مدخلاً يساء استخدامه في حالات عديدة بتعيين الأشخاص على الشركة براتب عالٍ، ثم تكليفهم مستشارين بالقطاع الأم، أو العكس. للأسف، إن عدم فصل قيادات الشركات الحكومية عن التنفيذيين، وعدم إيجاد أنظمة حوكمة صارمة لها، جعلها بابًا يستغله التنفيذي بشكل عشوائي، ووفق مزاج لا تحكمه قواعد واضحة أحيانًا، عبر ما يسمى عقود استشارة. أحيانًا أتساءل: كيف ستتم الخصخصة في بعض القطاعات دون فصل الرقابة عن التنفيذ، ودون الفصل بين إدارة الشركات الحكومية التي يبدو أنها تتزايد وإدارات القطاعات المعنية بخدماتها!
إذًا، عقود الاستشارات للأفراد لا يمكن القضاء عليها تمامًا، لكنه يمكن تقليصها وضبطها عبر مراجعة أنظمة الخدمة المدنية والوظيفة العامة والإعارات وعقود الاستشارة وعلاقة الشركات الحكومية بالقيادات التنفيذية المختلفة. بعض الجهات يتم خنقها بتقليص الموارد المخصصة للاستشارات أو إجبارها لاستخدام طرق غير مباشرة كالتعاقد عن طريق الشركات، وبعضها لديها بحبوحة في الأمر رغم أن الأنظمة واحدة. والسبب في ذلك هو تنوع التفسيرات والجرأة في استخدام الثغرات؛ لذلك أراه مهمًّا نقاش الأمر بشكل أكثر عمقًا ومن مختلف الجوانب، وليس فقط من وجهة نظر مالية بحتة.
أما بالنسبة للشركات فبعض الأعمال حيوية، ولا يمكن وفق نظام الوظيفة الحكومية استقطاب من يستطيع العمل فيها مثل أغلب أعمال تقنية المعلومات التي تتطلب كفاءات تقنية متميزة برواتب لا تستطيع الجهة الحكومية توفيرها لها، أو تتطلب أعمالاً مؤقتة، لا تستوجب استحداث وظائف ثابتة ودائمة لها. والخيار الإداري هو الاستعانة بشركات تحت مسمى عقود استشارية. هناك شركات استشارية تقدم حلولاً تنظيمية وحلولاً استراتيجية وإدارية وإعلامية. وأعتقد أن هذا النوع يحتاج إلى رقابة أكثر صرامة؛ لأن التجاوزات فيها كبيرة بشكل أصبحت فيه شركة واحدة أو شركتان تخطط وتنظم وتنظر لأغلب قطاعاتنا بمبالغ خيالية، وعبر تقديم حلول وأفكار، بعضها يتم جلبه من بيئات مختلفة عن بيئتنا الإدارية والاجتماعية بشكل يجعل مصيرها الفشل المؤكد، وبعضها تتحول لكونها مجرد بوابة يستخدمها المسؤول لتمرير رؤيته الشخصية أكثر منها الحصول على رؤية متقدمة أو مختلفة.
يستفحل أمر الاستعانة بالشركات بمبالغ خيالية مع عدم وجود نظام واضح لمبررات الاستعانة بالشركات، لآليات استقطابها، ولمراقبة مخرجات أعمالها. والأسوأ من ذلك اعتبار ختمها مبررًا لتمرير بعض الأنظمة أو التغييرات، دون المرور على جهات رقابية أخرى كمجلس الشورى. مجلس الشورى رغم محدودية دوره الرقابي، ورغم بعض الملاحظات عليه، إلا أنه يبقى أحد الأجهزة الرقابية التي أصبح ملحوظًا تجاوزها في كثير من القرارات الوزارية، وأصبح صوتهم يأتي متأخرًا، مثلهم مثل ديوان المراقبة، الذي نام حتى وصلت المبالغ 12 مليارًا؛ فجاء يرمي قنابله الإعلامية التي لا معنى لها في الواقع الفعلي. نعم، لا قيمة لها؛ لأنها لا تقدم معالجات، وحتى آليات رصدها غير واضحة، وتفاصيلها غير مقنعة، على الأقل ما أُعلن منها!