«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
مع موسم الحج يعيش المسلمون في مختلف دول العالم الإسلامي وغير الإسلامي أسعد لحظاتهم إما إنهم وفقوا لذهابهم « للديار المقدسة» أو آبائهم أو أولادهم وأحفادهم أو حتى معارفهم من الأقارب والجيران. والكثير منهم يتجمعون عادة لوداع الحجاج، يهنئون بعضهم وهم سعداء بأن الله وفق بعضهم لأداء فريضة الحج، بل هناك من أتيحت له الفرصة لأداء الفريضة أكثر من مرة في حياته خصوصاً أبناء الوطن والخليج والبعض من المقتدرين من الدول العربية والإسلامية. والحج حلم كل مسلم ومسلمة منذ يبلغا الحلم، ومحظوظ من قام بذلك بصحبة والديه.. وتعود بي الذاكرة وأنا فتى صغير وأنا ومعي المئات من المودعين نغبط الآباء والأمهات وكل الحجاج المسافرين إلى مكة المكرمة.. كان المشهد درامياً ومثيراً فيه الكثير من دموع الوداع والأكثر من مشاعر الغبطة والأمنيات بأن تتاح للمودعين نفس الفرصة في العام القادم فيكونوا هم الحجاج.. هل تعرفون كيف هي مشاعر كل من شاهد وعاش مشهد وداع الحجاج. هل تعرفون كيف تكون ملامح الحجاج وهم يتراكضون في حمل متاعهم إلى صناديق الشاحنات الكبيرة والتي تحولت صناديقها إلى دورين أسفل للنساء والفتية الصغار الذين يرافقون أمهاتهم كمحارم لهم وفي الدور العلوي كان يجلس الحجاج الرجال والشباب. وحول جوانب الشاحنات كانت يعلق متاع جميع الحجاح وقرب المياه والصناديق الحديدية وبعض الأدوات التي قد يحتاجه الجميع بل كانت تزدان جوانب الشاحنات العملاقة من (مكات ودمنتيات) بالواح وعواميد الخشب المخصصة لخيام قافلة الحجاج.. وكذلك يتكرر المشهد عندما باتت الباصات هي الوسيلة الجديدة لنقل الحجاج بعد الشاحنات الضخمة..؟! وحكاية سفر الحجاج تبدأ في كل بيت حاج مبكراً بعضهم يقضي جل عمره وهو يسعى في مناكب الحياة لتوفير تكلفة الرحلة المباركة، بل رحلة العمر كما يطيب للملايين أن يسموها بل وطوال سنين حياتهم يروون تفاصيلها الدقيقة من لحظة اتخاذ القرار وحتى العودة من الحج بعد أداء الفريضة.
ولقد كتب المؤلفون والكتّاب جوانب من هذه الحكاية التي لا تخلو من طرافة ومتعة وشوق لكل من يستمع إليها.. أذكر جيداً كيف كانت والدتي -رحمها الله- وهي التي لا تعرف إلا القليل من القراءة وبعض الكتابة البسيطة جداً فهي والحق يقال خريجة (المطوعة) في فريق السياسب الشهير بالمبرز لكنها تذكر وتحفظ جيداً بعض قصار السور والعديد من الأدعية. وما تبقى في ذاكرتي من أدعيتها التي كانت دائماً ترددها: (اللهم إنا نسالك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب. أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا).. وكان هذا الدعاء الذي تردده الوالدة هو الدعاء حول الكعبة المشرفة وعند مقام المصطفى عليه الصلاة والسلام. وعندما سألتها مرة كيف حفظت هذا الدعاء الطويل نوعاً ما. ردت قلبي الذي يحفظ وليس ذاكرتي التي شاخت.. ومع أنها أدت فريضة الحج أكثر من مرة في بداية زواجها ومتوسط عمرها وحتى عندما أصبح لها أحفاد إلا أنها دائما تردد: (اللهم يارب لا تحرمني حجة هذا العام). وهذه الأمنية التي تكاد تكون موجودة في نفس كل مسلم في العالم. ويرددها مئات الملايين خصوصاً الفقراء ومحدودي الدخل وحتى المرضى.. وكم حققت قيادة بلادنا وقيادات أخرى وحتى جمعيات خيرية في الداخل والخارج هذه الأمنية للبعض في مبادارات إنسانية كريمة وعظيمة. وكم أشاعت من فرحة وسعادة وبهجة لمن حظى بها.. اللهم حقق أمنية كل مسلم في تأدية فريضته..