خالد بن حمد المالك
لا أعتقد أن أحداً منا كان يتصور ذات يوم أن دولة قطر سوف تكون مؤذية وإرهابية ومتوحشة كما هي اليوم، وأنها على صغر مساحتها وقلة عدد سكانها ومحدودية إمكاناتها الأخرى ستكون كذلك الأفعى السامة التي تلدغ الجسم فتطرحه ميتاً، لكن ما نراه أن هذه الدويلة الصغيرة كما هي الأفعى استخدمت السم الإرهابي الذي لا تملكه إلاّ من خلال الاستعانة بالإرهابيين غير القطريين لإيذاء الجيران والأشقاء، ومحاولة نزع الاستقرار منهم، وتحويلهم إلى فوضى وساحات للاحتراب والقتل بين المواطنين، في ممارسات متوحشة لا يفعلها بهذا المستوى ولا يقدم عليها حتى من يُطلق عليهم أنهم أعداء متسلطون، ولهم أهدافهم وأجنداتهم في زرع الفتن والخلافات بين الشعوب والدول.
* *
دولة قطر ملمس ناعم، ولكنه جد خطير، فاستعانتها بأعدائنا حوَّلتها إلى دولة متوحشة، مصاصة للدماء، لا يرتاح لنظامها بال إلا عندما يرى أن الأجواء مكهربة، والمناخ يسوده القلق والفوضى وعدم الأمان، وتأكيدها أن هذه البلاد أو تلك أصبحت لدى أفراد فيها القابلية والاستعداد للتفاعل مع مؤامرات الدوحة وإرهابها، بما لا يمكن لنظام تميم والحالة هكذا أن ينجح في إقناع الآخرين بعدم وجود دور لقطر في هذا التآمر الذي أساء لكثير من الدول العربية خلال ما يسمى الربيع العربي، فضلاً عن مؤامراته على دول مجلس التعاون (المملكة والإمارات والبحرين)، لأن الإدانات حملت من البينات على المدعى عليه (وهي قطر) ما لا يحتاج إلى حلف أو شهود من النظام، فضلاً عن نفيه وإنكاره والتنصل من مسؤوليته في هذه الجرائم.
* *
وإذا قلنا إن قطر أصبحت دولة متوحشة، فنحن نتحدث عن واقع مشاهد، وأفعال وممارسات وأعمال جبانة، وإذا وصفناها هكذا، فنحن نختار لها أدق الأوصاف بحسب تأثيراتها القاتلة، وتدخلها بالشؤون الداخلية للدول، وإلا فهي تستحق من الأوصاف ما هو أقرب إلى خطورة أفعالها، بحيث يجب أن توصف بأوصاف تنسجم مع توجهاتها القذرة، غير أن الدوحة لا يؤثر فيها مثل هذا الوصف أو غيره للتراجع عن سياساتها، أو الندم على أفعالها، أو التفكير بما ينظف سجلها الإرهابي من كل ما سبق من أفعال لا يمكن لدولة أو نظام يحترم نفسه أن يقدم عليها، فكيف إذا كان هذا يتم من دولة شقيقة ضد أشقاء لها، ويصدر من جار لجاره، دون مبررات أو أسباب، إلا أن يكون نظام قطر قد غُسل فكره ولُوّث، بما جعله يقبل بأن يكون رأس الحربة في هذا الدور الخطير.
* *
تحاول قطر جاهدة أن ترفع نبرة الصوت، وتزيد من سرعة الحركة باتجاه ملامسة عواطف الدول، لإقناعها بأنها دولة مسالمة، وغير عدوانية، غير أن الحقائق وقد كشفت عن أكاذيبها، لم تعد هي الأسلحة التي ظنت أنها قادرة بها على التأثير والإقناع، وأنها المناسبة في معركة تدور رحاها بين صدق الدول الأربع المملكة والإمارات والبحرين ومصر، وبين أكاذيب قطر التي ليس لها من سند وعضد سوى تلك الدول والمنظمات والأفراد المصنفين إرهابيين على مستوى العالم، مما أضعف حججها، وقوّض كل تبريراتها، وجعلها أضعف مما صورها لها أصدقاؤها الإرهابيون، أي أنه لم يعد أمامها من فرصة للتخلص من الإدانات على التهم الموثقة ضدها، إلا أن تتخلى عن الشياطين الذين أوقعوها في هذه المقالب، ودفعوها نحو أوار هذا الحريق المؤذي لها في نهاية مطاف إرهابها وتحريضها وتطرفها.
* *
نقول عن قطر إنها دولة متوحشة استناداً إلى موقفها الداعم والمحرض لما أطلق عليه الربيع العربي، فقد كانت قناة الجزيرة القطرية صوت التحريض لخروج الناس في مصر وتونس وليبيا إلى الشوارع، تدعوهم إلى العصيان، واستخدام العنف، وإسقاط الأنظمة، وتدعمهم بالمال والسلاح، بما لا يمكن أن يحدث مثل هذا إلا عن دولة متوحشة، وهذه هي قطر، وفي البحرين استمعنا إلى رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم يتحدث مع أحد زعماء الشيعة فيما يسمون أنفسهم بالمعارضة في البحرين الموالين لإيران حول التنسيق القطري معه لإسقاط النظام وإقامة دولة شيعية تابعة لولاية الفقيه في طهران، بما يعزز قولنا بإن قطر أصبحت دولة متوحشة، فهي تستمتع ونظامها أيضاً بالتخريب والعصيان والمظاهرات الدموية، وصولاً إلى إسقاط الأنظمة في تنفيذ سياسات ليس لها من تفسير، إلا أن يكون من يقوم بذلك هو نظام قطري موغل بالإرهاب والتطرف كما فعل في ليبيا وتونس ومصر ثم في البحرين وغيرها.
* *
وفي اليمن حين كانت هناك مظاهرات لإسقاط علي عبد الله صالح، ومحاولات من تنظيم الحوثيين التابع لإيران والمدعوم من نظام قطر لاستثمار ذلك للسيطرة على مقدرات البلاد، وسرقة مجهود الشعب في خلع علي عبد الله صالح، كانت دول مجلس التعاون تحاول مع علي عبد الله صالح والأحزاب الأخرى في وضع اتفاق يقصي المخلوع عن الرئاسة ويجنب اليمن المزيد من الأضرار، فيما كانت قطر ترفض أن تكون طرفاً في الوصول مع الأشقاء إلى اتفاق أو حل سلمي يجنب اليمن الشقيق تداعيات وآثار الاستمرار في حركة الشارع، وقد تم التوصل إلى توافق بين الجميع فيما عدا الحوثيين على المبادرة الخليجية والتوقيع عليها تحت مظلة دول مجلس التعاون، حيث تم الاتفاق على المبادرة الخليجية بالرياض، غير أن قطر كانت تعمل مع الحوثيين على إفشال المبادرة بعدم المشاركة مع دول المجلس على جمع الأطراف المتنازعة والوصول إلى حل، بل وبالزج بكل إمكاناتها لخدمة إفشال هذا الجهد، ودعم الحوثيين، ولاحقاً الوقوف مع تحالف الحوثيين وعلي عبد الله صالح، وهذا ما لا يستغرب من قطر بعد أن تحولت إلى دولة متوحشة تريد أن تستمر في إيذاء المملكة والدول الشقيقة.
* *
وعلى مستوى دولة الإمارات، تابعنا جميعاً التدخلات القطرية، والتحريض لتغيير النظام الإماراتي، وكل هذا تم عرضه في شاشات التلفزة، واعترف به عملاء قطر ممن كانوا يكلفون بالمهمات القذرة، بأصواتهم، فضلاً عن الوقائع والأحداث التي تدين نظام تميم على ما اقترفه من جرائم بحق الشقيقة دولة الإمارات التي لم يُعرف عنها إلا حسن التعاون مع دول الخليج والدول العربية، وتقديم الدعم والمساندة في كل المواقف والمناسبات، ودون أن تتدخل في شؤون أي من الدول، بما يجعل من الدولة المتوحشة قطر مسؤولة عن كل الجرائم التي أساءت وأضرت بمصالح دولة الإمارات، وأشغلتها على مدى سنوات في توجيه أجهزتها لمراقبة هذا التآمر القطري الوقح ضد أمنها واستقرارها ومصالحها، وهذه الاتهامات ليس لدى نظام تميم من إمكانات لينفي حقائق ومعلومات موثقة، وليس أمامه من فرص للهروب من مسؤوليته في هذه الجرائم، بعد أن تم توثيقها بالشهود، ومع من كان طرفاً رئيساً فيها.
* *
أما عن المملكة، ودور الدولة المتوحشة في خلق الفوضى، ومحاولة نزع فتيل الأمن فيها، وإيجاد مظاهر عنف غير معتادة في مجتمعنا، ودعمها لمن يطلقون على أنفسهم معارضة سعودية في الخارج، وكذلك تأييدها ومناصرتها ودعمها للعناصر الشيعية السعودية محدودة العدد في المنطقة الشرقية الذين ولاؤهم لإيران لا للمملكة، فهذا يعني أن قطر المتوحشة لم يكفها لإيذاء المملكة هذا التدخل في شؤونها الداخلية، فقد تجاوز الحمدان: حمد بن خليفة وحمد بن جاسم كل الأعراف، حين تم التنسيق بينهما وبين معمر القذافي على قتل الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، وإسقاط نظام آل سعود، وعلى تقسيم المملكة إلى مجموعة دويلات صغيرة بقياس قطر، وجعلها تتحارب فيما بينها، وكل هذا مسجل بصوتيهما، وتم عرضه أيضاً عبر القنوات الفضائية، ما جعلنا نختار أهدأ الأوصاف لقطر كدولة متوحشة، ونكرر القول بإن ليل قطر الطويل لن يستمر هكذا بدون حل أو حساب، يُنهي أزمة النظام القطري مع مواطني قطر وأشقاء قطر، وذلك بالتخلص من الإرهاب والتطرف والتحريض والتدخل في شؤون الدول الأخرى.
* *
والتوحش القطري الذي أعنيه، هو الإرهاب الذي تمارسه قطر بالمواصفات الإيرانية، كما أن التطرف والتحريض القطريين هما ذات الأدوات التي تستخدمها إيران في مؤامراتها، أيضاً فإن التدخل في الشؤون الداخلية للدول هي المنافذ التي عُرفت بها إيران لتمكين عُملائها في داخل الدول من تنفيذ أجندتها، وهو ما تفعله الآن قطر المتوحشة، وكما أن ملالي إيران يستخدمون الإعلام بكثافة في تحقيق مآربهم، فإن قطر تسير على خُطى إيران فتوظف ميزانيات ضخمة لشراء الأبواق المعروضة لمن يدفع أكثر للقيام بالمهمة القذرة، غير أن ما يحدث يُعَد بنظرنا طارئاً ويتعارض مع التقاليد القطرية، ولا يُناسب مقاس مواطني الدولة الصغيرة، وسوف يرفضه الجسم القطري في الوقت المناسب، وإن تأخر هذا الوقت، وعلى نظام تميم أن يُحسن التقدير، فلا يمضي بسياساته المتهورة، ثم يتمنى فيما بعد لو أنه لم يفعل ما فعله، ولكن ما الفائدة حين يكون ذلك بعد فوات الأوان، أو بعد أن تطير الطيور بأرزاقها كما يقال.
* *
ها نحن -كما أتوقع- على مسافة قريبة من التصحيح للوضع القائم في قطر، فقد مل المواطن كل هذه الفترة الطويلة من الانتظار، وأصبح في ضيق من الوضع المتأزم في البلاد، وهو الآن ينظر إلى المستقبل بعدسة كبيرة، ويرى أن شمس الإصلاح يجب أن تشرق على البلاد، في مرحلة ما بعد توحش دولة قطر، وبعد سنوات من التبعية لإيران والإخوان المسلمين، وبعد أن خُدع نظام تميم بما تروّجه قناة الجزيرة من كلام رخيص ومخادع، متأثراً به وبما يقوله القرضاوي وعزمي بشارة وآخرون في الساحة القطرية التي خلت من رأي المواطن، ونصيحة الشقيق، ومحاولات المحبين لدمدمة الجروح ومعالجتها بالكلمة المخلصة والموقف المسؤول، والحرص على أن تكون الدوحة جاذبة للغيورين عليها لا طاردة لهم، في تصرف تميمي غريب ولافت من نظام تميم.
* *
وستظل قلوبنا وعواطفنا مع أهلنا في قطر، معهم ننتظر إنقاذ البلاد من ويلاتها، وتحريرها من مستعمرها، ومعهم بانتظار اللحظة التاريخية التي تتخلص من الأغلال التي قيدت إرادة مواطنيها، ومعهم نهنئ أنفسنا ليوم الفرح الكبير، حين نرى قطر وقد تخلصت من هذا الوضع الصعب فنعلن عن مشاركتهم في أفراحهم، ولن نفقد هذا الأمل، وسنبقى متفائلين، فقطر تستحق أن يمتلك المواطن القرار فيها، وأن يفاخر بدولته كونها حرة ومستقلة وصاحبة سيادة، ولا تقبل بأن تكون مكبَّلة بهذا التواجد غير القطري الذي يتآمر على قطر وعلى الدول الشقيقة، في غفلة أو شراكة من النظام الذي يُقال إنه يحكم قطر.