عبد الله باخشوين
.. ثلاث حكم أو نصائح اشتراها الشاب بالمال الذي قدمه له أبوه كـ((رأس مال)) ليبدأ حياته العملية في ((التجارة)).. ففي حين أن أخاه زار ثلاث مدن.. واشترى في كل مدينة ((عقاراً)) مما أعطاه أبوه.
زار صاحبنا ((الشاب)) ثلاث مدن مماثلة.. ومن ((حكمائها)) أنفق رأس ماله على شراء ((الحكم)).. أو ((النصائح)) التي تقول:
- من أمنك لا تخونه.. ولوكنت خائن..!
- العين وما ترى.. والنفس وما تهوى..!
- إذا قابلك الخير.. قابله..!
ربما تكون الحكاية منقولة عن كتاب ((ألف ليلة وليلة)).. لا أدري لأنني لم أقرأ هذا الكتاب الذي تجاوزت شهرته الآفاق والحدود.. لكنها كانت الحكاية المفضلة لدى التي رواها لي ((أبي)) عدة مرات ونحن نستلقي على سطح بيتنا الطيني في سفح ((جبل العزيزية)) أو ((جبل الحبالى)) كما يحلو لمن لا يحب ((عيال حارتنا)) أن يطلق عليه.. والحكاية تتجاهل تماماً الأخ الذي استثمر رأس ماله في ((العقار)) وتتابع تفاصيلها على خطى صاحبنا الشاب المنحوس الذي غضب والده منه وطرده بعد أن أنفق ثروته على ((حكم)) كتبها فى ((ثلاث ورقات)) حتى لا ينساها.. ومضى يسوح في بلاد الله خالي الوفاض.. قبل أن يجد عملاً لدى أحد الأشخاص.. كدليل لرحلة ابنته وحاشيتها فى رحلتهم للحج لبيت الله الحرام.
وعملاً بـ((حكمته)) التي اشتراها: (( من أمنك لا تخونه ولو كنت خائن)) مضى يقود القافلة بعد أن غض طرفه عن كل الإغراءات التي دعي إليها.. ولم يستجب لأي شيء ينقض تلك ((الحكمة)).
في موقع ما.. قرروا الخلاص منه.. وقال العارف بالطريق ((توجد هنا بئر الذي يهبط إليها للسقاية لا يصعد أبداً)) وطلبوا منه أن يهبط للبئر ليجلب الماء.
أمسك به ((حارس البئر)).. وجعله يرى ((الرؤوس المقطوعة)) لأولئك الذين نزلوا من قبل.. وأحضر له فتاتين جميلتين.. إحداهما بيضاء والثانية سمراء.. وسأله: (( أي واحدة منهما أجمل من الأخرى)).
كان ((الحارس)) يعرف إن أختار إحداهما سوف يؤدي لقطع رأس الشاب دون تردد.
غير أن صاحبنا تذكر ما كان قد اشتراه وقال دون تردد ((العين وما ترى.. والنفس وما تهوى)).. تهلل الحارس فرحاً.. وأذن له بالسقاية إلى أن يكتفي.
عندها قرر القيم على القافلة أن يعيده فى ((مهمة عاجلة)) لقصر سيده.. ليوصل رسالة مهمة.. كان مضمونها يقول إن صاحبنا الشاب خائن للأمانة.. وطلب قتله حال قراءة الرسالة.. وفي طريق عودته استأنس ناراً ودعاه من حولها للراحة والمبيت غير أنه أخبرهم أنه يحمل رسالة عاجلة لـ((المتنفذ فلان)).. فطمع أحدهم.. ودعاه للراحة والمبيت.. وهب من مجلسه.. وقال: ((هات الرسالة وسأقوم من فوري بإيصالها)).. وفكر صاحبنا في الأمر وتذكر ما في ورقته ((الثالثة)) التي تقول:
- إذا قابلك الخير.. قابله.
وأعطى الرجل الرسالة.. وجلس يستريح من عناء السفر.
طبعاً للحكاية بقية.. أو خاتمة.. أو قفلة غير أن النوم كان يسرقني قبل سماعها أو قبل تمامها.. وما بقي منها في مخيلتى ((طشاش)) لا يوفي الحكاية حقها.