د. جاسر الحربش
التالي نص صحفي عن مقال التطبيق في الهند: إن المساواة في الهند مجرد مساواة داخل المجموعة لا داخل المجتمع، وكذلك العدالة عدالة داخل المجموعة لا داخل المجتمع. قبلت والدة القتيلة نصيحة رئيس القرية بأن التنازل عن القضية أفضل لأطفال ابنتها القتيلة الأربعة، لأن الإصرار على إحداث صراع بين طبقتها وطبقة الزوج القاتل سوف يكلفها ثمناً باهظاً. إلى جانب الجدة والدة القتيلة جلس أحد أحفادها في عمر الثامنة تقريباً ضاماً ركبتيه إلى ذقنه ومنصتاً بحرص للحديث بيننا. عندما سألته بماذا يفكر أجاب بأن والده كان غير صالح لأي شيء وكان يضرب والدتي بدون سبب. نظرت الجدة إليه قائلة ربما حين يكبر سوف يقتص لوالدته.
(من مقال في نيويورك تايمز 22-8-2017م عن قتل زوج زوجته في الهند)
ومثال من أمريكا: أما بالنسبة لبعض سكان شارلوتسفيل / غرب فرجينيا، فإن النقاش المحتدم حول إزالة تماثيل رموز العبودية القديمة يحمل معاني أكبر مما تمثله التماثيل. التماثيل مجرد تعبير عن التناقض القديم والحاضر في روح المدينة نفسها. ثلاثة من السود من طلبة البروفيسور يان قرانديسون أكدوا أن التماثيل العنصرية شيدت آنذاك على أراض صادرتها حكومة المقاطعة من السود قبل سبع سنوات من نصب التماثيل بعد أن طردتهم بدون تعويض حتى اليوم. في الوقت الذي تشيد فيه الفنادق والبوتيكات والمطاعم والحارات الفاخرة يدرك السود في شارلوتسفيل أن ذلك كله من علامات الفصل العنصري. بالرغم من أن هذه المباني الحديثة لا تمثل شعارات الكونفيدرالية البائدة مثل التماثيل القديمة، إلا أنها تبنى لأناس يختلفون عنهم في المظهر واللون، أي للبيض القادرين.
(من مقال من نفس العدد في جريدة نيويورك تايمز)
عندما يقرأ أحدهم مقال مراسلة أمريكية للجريدة عن حادثة قتل رجل لزوجته ضرباً بالعصى في حالة هيجان لا ذنب لها فيه، ثم يصر رئيس القرية على تنازل الأم عن متابعة القضية، وتعيد الشرطة القاتل بعد ثلاث ساعات إلى منزله بدون محاكمة، يكون تعليق المراسلة الأمريكية على انعدام العدالة في الهند بأن ذلك يجري داخل كل مجموعة عرقية على حده، وليست عدالة تشمل المجتمع الهندي بكامله.
أما المقال لصحفي أمريكي آخر عن أحداث فيرجينيا شارلوتسفيل وشغب أتباع ما يسمى التفوق الأبيض، فإنك لا تجد فيه تعليقاً واضحاً محدداً من مجموعات عن غياب عدالة الحاضر. ما تجده هو فقط تذكير بعنصرية الماضي وأن مدينة شارلوتسفيل ما تزال تحمل في روحها ذلك التاريخ العنصري القديم. في الواقع المطبق، سواءً بالهند أو الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك في كافة العالم الإسلامي ما زالت نظرة المساواة والتضامن تحتكر للأفراد داخل كل مجموعة طبقية معزولة عن الأخرى. ما يقال عن العدالة والمساواة في المجتمعات الديموقراطية أو عنها في المجتمعات الإسلامية ما زال مثلوماً وناقصاً بالواقع الطبقي والعرقي والفئوي. المساواة أخت العدالة وهي الطريق إليها.
الواضح هو أن الديموقراطيات الغربية أعطت للفرد في مكونها العرقي المسيطر حقوقاً أكثر بكثير مما أعطته للفرد في الأقليات العرقية، مما جعل أبناء تلك الطبقات يحصلون على ميزات اقتصادية وعلمية وقيادية، وهذا هو سر التفوق العلمي وغلبة المجتمعات الديموقراطية على غيرها، لكن يبدو أن الأمور بدأت تتغير. الديموقراطية انجرفت نحو تمكين العرق المتغلب بداخلها على الأقليات فتغلب في الداخل اقتصادياً وفي الخارج علمياً وعسكرياً. التطبيقات في الدول المحكومة صورياً فقط بالشرائع السماوية ما زالت مبعثرة بين تفككات أقليات دينية مذهبية قبلية عرقية ومناطقية، فلا هي حصلت شرع الله في المساواة والعدالة ولا العدالة الجزئية في الديموقراطية.